بعد مرور ثلاثة أسابيع من المعارك بين الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان "حميدتي"، تشير المعطيات على الأرض إلى أنه لا يملك أي من الطرفين إمكانات الحسم العسكري السريع.
وبالتالي، فإن الحديث عن انتهاء القتال بفائز ومهزوم، يعني الكثير من الوقت والعديد من الخسائر المادية والبشرية ليس فقط على مستوى المتحاربين وإنما، وهو الأهم، على مستوى الشعب السوداني والدولة السودانية ككل.
وعليه تكون الحاجة إلى التدخل الدبلوماسي أو ما يعرف بالتدخل "الحميد" لإنهاء تلك الأزمة والانتقال إلى مسار سياسي تفاوضي الذي بلا شك لن يأتي بسهولة في ظل حالة التمسك من كلا الطرفين بموقفه المتشدد ضد الآخر. وحين يتأزم الموقف وتصير الأوضاع الإنسانية لشعب بأكمله على المحك فإن دولة الإمارات تكون واحدة من المرشحين بقوة إن لم تكن هي الوحيدة للتصدي إلى هذه المهمة الصعبة والمصيرية ليس للسودان فقط بل للمنطقة والعالم بأكمله.
أقول ذلك آخذاً في الاعتبار وجود عدة حقائق تراهن على الدور الإماراتي في مبادرات للوساطة بعض تلك المبادرات بدأت من اليوم الأول للقتال، وبعضها الآخر تبلور مع تفاقم الأحداث وتدهور الموقف الميداني منها النجاح في تأمين سلامة الجنود المصريين وكذلك نجاح الإمارات في إجلاء رعايا 16 دولة ولعلي لا أبالغ بقول إن الظرف السياسي الذي يحيط بمثل هذه الوساطات في هكذا نوعية من الملابسات هي التي تدفع المرء إلى الاعتقاد بأنها تحتاج إلى دولة ذات مواصفات دبلوماسية خاصة، وبالتالي التفكير في توجيه الدعوة إلى دولة مثل الإمارات للقيام بهذا الدور. مع كل التقدير للدول والأطراف التي سعت في نفس الاتجاه.
إن محاولات الوساطة التي جرت حتى الآن، انصب تركيزها على وقف القتال مؤقتاً. في شكل هدنة إنسانية تسمح بتأمين الاحتياجات المعيشية للمواطنين، وتتيح القيام بعمليات إجلاء الرعايا الأجانب بأمان. وهو ما كان واضحاً من عروض الوساطة والاتصالات المكثفة لبعض الدول الغربية بصفة خاصة، حيث تراجع حماسها للتدخل وانحسرت جهودها للوساطة بعد إجلاء معظم الرعايا والجاليات الأجنبية من السودان. فقد باتت معظم المواقف الغربية تقتصر على مطالبة الطرفين بالالتزام بالهدنة وتمديدها، دون بلورة اقتراحات أو مباشرة تحركات فعلية لتسوية الأزمة ووقف القتال بشكل جذري.
حتى الآن لا توجد وساطات دبلوماسية دولية تقدم تصوراً متكاملاً لما بعد وقف القتال، الأمر الذي يمثل المبرر الحقيقي ومصدر القوة لإنجاح أي وساطة حقيقية.
هناك محاولة وحيدة للوساطة بهذا المعنى الشامل، قامت بها منظمة "الإيجاد" للتنمية ومكافحة التصحر في القرن الأفريقي، فهي الطرف الوحيد الذي قدم رؤية مبدئية للمستقبل القريب من خلال مسار سياسي عريض لما بعد وقف القتال.
ولكن في ظل محاولات طرفي الأزمة المباشرين تحقيق أكبر مكاسب ميدانية لتحسين الموقف التفاوضي، فمن المبكر التنبؤ بفاعلية وجدوى هذه الوساطة الأفريقية. إلا أن المؤكد أن نجاح أي جهد للتوسط لا يقتصر على مدى شمولها أو طبيعة مضمونها. وإنما العنصر الأكثر أهمية هو طبيعة الطرف القائم بالوساطة وحدود مقبوليته وثقته سواءً عند طرفي الأزمة أو بقية الأطراف الإقليمية والدولية.
وهذا يجعل المراقب يعتقد أن دولة الإمارات هي الأنسب والأقرب للنجاح فيها. بالتالي، فربما تكون محاولة "الإيجاد" جيدة موضوعياً، لكن فرصها في النجاح والتطبيق ليست كبيرة.
في اعتقادي لدى الإمارات ما تفتقده الوساطات الأخرى سواءً من قبول لدى الطرفين أو قدرة الوسيط على الوفاء بالالتزامات أو المكانة الدولية التي تكفل وقوف الجميع ومساندتهم لها. وقبل كل هذا، فإن السياسة الإماراتية المتوازنة بقيادتها الرشيدة، تملك رصيداً هائلاً من النجاحات السياسية والتفاوضية في اتجاهات متنوعة وقضايا أكثر خطورة وتعقيداً من أزمة السودان. وكما كانت الإمارات أول دولة تتحرك عملياً كوسيط مرغوب من جميع الأطراف ونجحت في تأمين سلامة وعودة عشرات العسكريين المصريين بعد أيام قليلة من انفجار الموقف، فهي الأجدر أيضاً بلعب الدور النهائي والقيام بوساطة نهائية للخروج من هذه الأزمة بحل سياسي توافقي وإجراءات عملية تحظى بقبول طرفي الأزمة وتأييد ودعم العالم كله، من أجل إنقاذ حاضر السودانيين ومستقبل السودان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة