ما إن وقعت اتفاقية السلام الإثيوبية الإريترية في عام 2018، بين البلدين اللذين ظلا في حالة اللاحرب واللاسلم عقدين من الزمن، حتى كانت التوقعات تشير إلى أن المنطقة قد تشهد سلاما واستقرارا، خاصة أن تلك الحرب كانت الأكثر دموية خلال العقود الماضية.
إلا أنه وبعد طي هذا الملف الذي كان يعتبر الأكثر تحدياً للقيادات الأفريقية بكامل مؤسساتها (الاتحاد الأفريقي والإيجاد وغيرهما من المؤسسات التي انتهى دورها منذ فترة طويلة)، سرعان ما اندلعت صراعات أخرى في المنطقة، هذه المرة كانت داخل إثيوبيا بين الحكومة الفيدرالية ومقاتلي جبهة تحرير تيغراي، أدت إلى انقسامات متعددة في منطقة القرن الأفريقي، ما بين مؤيد لها ورافض لطريقة وأسلوب الحرب، التي أعادت للأذهان الصراعات الإثيوبية الداخلية لفترة الثمانينيات.
وشهدت المنطقة من قبل صراعات في دولة جنوب السودان بين مختلف المكونات السياسية، وصراعات قبلية أخرى، كادت أن تؤدي إلى دمار الدولة الوليدة في المنطقة، إضافة إلى أحداث متفرقة على الحدود الإثيوبية - السودانية، أوشكت على أن تعصف باستقرار المنطقة، بسبب بعض التحركات التي تقوم بها جماعات مسلحة بين حدود البلدين.
أحداث أضيفت إلى تحركات أخرى في شرق أفريقيا ما بين قوميتي العفر والعيسى الصوماليتين، التي كانت قد وصلت إلى الداخل الجيبوتي، إلا أن وعي القيادات السياسية في المنطقة -آنذاك- حال دون تطور الحرب بين دول المنطقة.
صراعات أخرى توسعت في الداخل الإثيوبي ووصلت إلى حرب أهلية طاحنة في وقت كانت البلاد تترقب سلاماً للأزمة في تيغراي .
إلا أنه بعد توقيع اتفاقية السلام الإثيوبية بين الحكومة وجبهة تيغراي في بريتوريا في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 بجنوب أفريقيا، تنفس الجميع الصعداء لإيقاف حرب كادت أن تقسم القارة، وتؤدي إلى تصعيد آخر بين مكونات القيادات الأفريقية، بسبب التحركات الداخلية والدعم والرفض للصراع الإثيوبي.
ورغم ذلك، فإنه سرعان ما اندلعت حرب أخرى لم يكن يتوقعها أحد هذه المرة كانت الأصعب بكونها حرباً داخل مدن بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، التي كانت ذات وتيرة متسارعة، أدت إلى تهجير المواطنين وتدمير العديد من البنى التحتية.
وما إن استيقظ الجميع على أصوات مدافع ورصاص متجدد بأسلوب جديد في منطقة لم تشهد مثل هذه الصراعات من قبل، حتى باتت تحديات فرص السلام في المنطقة أكبر هاجس للقيادات الأفريقية الحالية، التي ما إن انتهت من صراع تتجاوزه بقدرتها على حل الخلافات والصراعات داخل البيت الأفريقي، تجد أن هناك تحديا جديدا يقف عائقا أمام تحقيق هذه الأهداف التي وضعت من الرعيل الأفريقي الأول الذي أسس الوحدة الأفريقية.
ويظل تحقيق السلام الأفريقي أكبر تحدٍّ في المنطقة، بل إنه بات مجرد حلم للشعوب الأفريقية، وهاجساً كبيراً للقيادات الأفريقية المتعاقبة جيلاً بعد آخر، وما إن انتهى صراع حتى دخلت المناطق الأفريقية في صراعات متجددة ومتغيرة من حين لآخر.
وتخطى السلام الأفريقي طموح القيادات الأفريقية، ليصبح حلماً لكل قيادات العالم التي تضع في الشباب والإمكانات الأفريقية أملاً لتحقيق العديد من الأهداف مستقبلاً .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة