مع دخول الاشتباكات المسلحة في السودان أسبوعها الثالث بنفس عزم وتصميم طرفيها يبدو أن الآمال تتلاشى سريعا في نهاية قريبة لهذا النزاع.
وفي ظل تلاشي أي مؤشرات على قدرة أي من الطرفين على حسم النزاع بشكل واضح وسريع لصالحه، وكذلك غياب أي مؤشرات على إمكانية التوصل إلى تسوية قابلة للصمود بين قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، تعزز المخاوف وتعاظم الهواجس من حرب أهلية طويلة وممتدة ستتجاوز آثارها وتبعاتها بكل تأكيد حدود السودان إلى جواره المضطرب بالفعل.
إزاء هذه المعطيات أصبحت معظم التحليلات تذهب في اتجاه أن ما يحدث في السودان ليس أزمة داخلية عابرة قابلة لحل أو حسم سريع، بل يبدو أنها في طريقها لتصبح أزمة إقليمية مستحكمة ستصيب بآثارها المباشرة وغير المباشرة المنطقة كلها كما لن يعود السودان بعدها لما كان عليه قبلها.
ولهذا أصبحت هذه الأزمة تحظى باهتمام ومتابعة كبريات مراكز الفكر ودوائر البحث الغربية قبل العربية توقعا لما ستتركه من تبعات وما ستخلفه من آثار لن يكون من السهل تجاوزها أو التغافل عنها.
بعض مراكز الفكر هذه راح يرسم سيناريوهات متوقعة لما يمكن أن يسير عليه النزاع في السودان وما يمكن أن ينتهي إليه وما يتوقع أن يفضي إليه.
من بين السيناريوهات اللافتة كان ما ذهب إليه مركز ستراتفور للدراسات الاستراتيجية والأمنية.. وهو مركز أمريكي مرموق ومعروف مدى قربه من دوائر الاستخبارات الأمريكية ويقدم رؤى استشرافية كثيراً ما تصدق وتطلق عليه الصحافة الأمريكية مصطلح "وكالة مخابرات الظل".
هذا المركز قدم الأسبوع الماضي رؤية قاتمة للنزاع في السودان ورأى أن اتجاهات الأزمة فيه محصورة في 4 احتمالات أو سيناريوهات رتبها من الأكثر قابلية للتحقق إلى الأصعب في التحقق.
الاحتمال الأول وهو السيناريو غير المرجح هو حدوث تسوية بين الطرفين عبر هدنة مفتوحة وطويلة الأمد لأجل غير مسمى.. وهو احتمال يبدو مستبعدا إلى حد كبير لسببين رئيسيين؛ أولهما أن العداوة بين الطرفين أصبحت واضحة وصريحة وسارت في طريق اللاعودة في ظل اتهام كل طرف للآخر بارتكاب جرائم حرب وتحميله مسؤولية اندلاع النزاع، وثانيهما أن تحقق هذه التسوية قد يفجر الخلاف داخل كل معسكر ويهدد تماسك صفوفه ويثير انقسامات بداخله في ظل وجود اتجاهات داخل قوات كل معسكر بتدمير قوة الطرف الآخر تماما.
الاحتمال الثاني وهو سيناريو مرجح إلى حد ما ويتمثل في سيطرة أحد الطرفين على العاصمة الخرطوم.. وهذا سيدفع بالتأكيد الطرف الذي سيخسر العاصمة للتمركز في المدن الأخرى ما سيعني اتساع نطاق عمليات القتال جغرافيا لتشمل ربما السودان بأكمله.. وما سيتبع ذلك بالتأكيد من دعم إقليمي ودولي لطرفي النزاع.. وفي ظل هذا السيناريو فإن مخاطر تقسيم السودان والحديث عن حرب أهلية ممتدة تبدو أقرب من أي وقت مضى.
الاحتمال الثالث وهو سيناريو محتمل وهو ربما الأكثر خطورة ويتمثل في استمرار الحرب على هذه الوتيرة بين الطرفين وتجاوزها العاصمة وانتقالها وتوغلها في مدن أخرى دون انتصار واضح وصريح لأي من الطرفين على الآخر في ظل تكافؤ القوة الواضح بينهما وقدرتهما على القتال المتواصل لأسابيع طويلة، وبالتالي مزيد من الخراب والخسائر الإنسانية في كثير من المدن السودانية مع صعوبة وصول المساعدات الإغاثية ما قد يدفع أطرافا إقليمية أو دولية في التدخل بقوات عسكرية، غالبا جوية، في النزاع ما قد يؤدي لتفاقمه وانفجاره بشكل غير مسبوق.
الاحتمال الرابع والأخير وهو السيناريو الأكثر ترجيحا وهو استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه، باستمرار العمليات العسكرية بنطاقها الحالي على ما هي عليه بشكل متقطع دون التوسع بشكل كبير في المدن والمناطق الحضرية. مع هدنة متقطعة قصيرة كل بضعة أيام لأهداف إنسانية معلنة ولالتقاط الأنفاس وإعادة ضبط الصفوف وغيرها من مآرب الطرفين.. لكن خطورة هذا السيناريو أنه قد يحدث انقساماً داخل الجيش السوداني لوجود بعض القيادات المتشددة الرافضة لأي هدنة والراغبة في سحق سريع وكامل لقوات الدعم السريع وعدم إعطائها فرصة لالتقاط الأنفاس وتجميع الصفوف عبر الهدنة المتكررة.. وهؤلاء القادة المتشددون داخل الجيش السوداني كانوا لهذه الأسباب هم سبب عدم صمود الهدنة الأولى التي تخللت الأسبوع الأول من القتال رغم أنها كانت بوساطة أمريكية.
في النهاية تبقى كل السيناريوهات مرعبة وتبقى كل الاحتمالات مفتوحة ويبقى مستقبل السودان محفوفا بالمخاطر ويبقى استقرار الدول السبع المحيطة به رهنا بما سيجري داخله. وستكون تبعات النزاع أخطر بكثير مما يتوقع البعض وأكبر بكثير من قدرة البعض على التخيل أو استشراف المستقبل لأن مسار الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة إذا عرفنا بدايته وأسبابها فمن الصعب أن نتوقع نهايته ومآلاتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة