أخيراً قرر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، أن يخرجَ من عزلته الدولية، في جولة مكوكية، لإطالة أمد عناده
أخيراً قرر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، أن يخرجَ من عزلته الدولية، في جولة مكوكية، لإطالة أمد عناده، وبحثاً عن أذنٍ صاغيةٍ لحججه في تأجيل الاستجابة لمطالب الجيران الأشقاء.
لا جدال في أن الأمير، المرتهن لتنظيم الإخوان الإرهابي، كان لزاماً عليه أن يبدأ الرحلة من أنقرة، حيثُ حبلُ الود موصولُ مع الدوحة في السر والعلن، أو بين "إخوان تميم" و"إخوان أنقرة" فمن هناك أخذَ الإذن للمهمة الخارجية الأولى منذ المقاطعة، ومن أنقرة يأخذُ الدعمَ و"البركات" ويتَهجى المقال الذي يصلح لعناد الأشقاء.
يبدو أن دبلوماسية قطر وسياستها الخارجية لم تنتبه إلى أن تنظيم الجماعة قد أوقعها في ورطة كبيرة بجعل برلين هي المحطة الثانية بعد أنقرة؛ حيث التوتر سيد الموقف بين المحطتين، وقد يكون ارتفاع هرمون التوتر الزائد عند الأمير قد أنساه حرب البسوس بين المحطتين
كنا نتوقع أن يكسر الرئيس أردوغان بروتوكولاته، مثلما فعل مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز خلال زيارته لتركيا ويستقبل ضيفه المستجير به من أشقائه في مطار أنقرة، لكن ذلك لم يحدث فيبدو أن السلطان ليس لديه ما يقدم، أو عَلهُ يكون غاضبا من الأمير تميم؛ حيث جعل محطته الثانية الدولة العدوة ألمانيا.
عموما قد يكون أردوغان، أكبرُ حليف أيديولوجي لتميم، يثق أن عدم استقباله في المطار لن يُفسد للود قضية، من جهة، كما يتفهمُ ضعفَ موقف حليفه في المحافل الدولية، من جهة ثانية، وربما يتحملُ الكثير من العتب، تركياً ودولياً في مساعيه لتقبل السياسة القطرية ، لكن "الجماعة" أكبرُ من الجميع.
وأياً كانت نتائجُ الزيارة لتركيا، فلا أحد يمكنه تفسيرُ إقلاع تميم من أنقرة إلى العاصمة الألمانية برلين، للقاء المستشارة إنجيلا ميركل، حيثُ الجفاءُ كبيرٌ بينها وبينَ أنقرة هذه الأيام، كما أن الألمان ينظرون بعين الريبة لسياسات أردوغان في ملفاتٍ عديدة، ما يجعلُ جمع تميم لتركيا وألمانيا في كفة دبلوماسية واحدة، هو محضُ التخبط والارتباك، ثم إن الألمان منخرطون في مختلف جبهات الحرب على الإرهاب، وينتظرون تحركَ الدوحة الذي وعدتهم به في هذا المسار.
قد يكون الرابط الوحيد الذي يفسر انتقال أمير قطر من تركيا إلى ألمانيا هو اقتفاء أثر القيادي في تنظيم الإخوان سعيد رمضان، الذي أسس في الخمسينيات من القرن الماضي "التجمع الإسلامي في ألمانيا" حيث بدأ التمدد الإخونجي في القارة العجوز.. ربما يكون الأمير تميم يعتمد على جماعته علها تنجح في إقناع المستشارة الألمانية ميركل بالاستماع لوجهة نظر حليفهم، لكن يبدو أن دبلوماسية قطر وسياستها الخارجية لم تنتبه إلى أن تنظيم الجماعة قد أوقعها في ورطة كبيرة بجعل برلين هي المحطة الثانية بعد أنقرة، حيث التوتر سيد الموقف بين المحطتين، وقد يكون ارتفاع هرمون التوتر الزائد عند الأمير قد أنساه حرب البسوس بين المحطتين.
هذا الارتباك في أول زيارة خارجية للأمير تميم كان دليلا واضحا علي صدق تصريحات وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش؛ حيث يصف سياسة قطر الخارجية بالهشة، ويصف قطر بالشقيق المربك والمرتبك، فكيف لدولة تعتمد على الدبلوماسية في أزمتها مع أشقائها وصرفت مليارات الدولارات في حشد الرأي العام الدولي لصالحها أن ترتكب هذا الخطأ الشنيع؟ والذي لا نستبعد أن يتسبب في خسارة حليف أرسل جنوده لحماية الأمير تميم في قصره قبل أن يجس نبض مستقبل الأزمة.
في ظل هذا الإرباك والارتباك، يتساءل البعض ما الذي جعل الأمير تميم يغادر الدوحة وهو الذي رفض دعوة من الرئيس الأمريكي لزيارة البيت الأبيض قبل ثلاثة أشهر بحجة استمرار العقوبات المفروضة على بلاده من طرف الدول الأربع، وقد صرح آنذاك رأس الدبلوماسية القطرية وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، لوكالة أسوشيتد برس الأمريكية للأنباء، بأن الأمير تميم لن يغادر البلاد في ظل استمرار العقوبات الحالية، ولهذا فإنه لن يذهب إلى البيت الأبيض.. ما الذي استجد بعد ذلك ليجعل الأمير تميم يغادر البلاد؟
أعتقد كمراقب للأزمة أن الجديد هو ارتباك الدبلوماسية القطرية بعد فشلها في تدويل الأزمة وإقناع المجمع الدولي بأنها الضحية، وخسارتها للوساطة الكويتية، بعد ممارستها الكذب على أمير الكويت، واهتزاز علاقتها بالحليف الأمريكي؛ حيث استطاع أن يسلمها خيط النجاة الذي خسرته الدوحة بعد تحريفها محتوى مكالمة الأمير تميم وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والآن قد تخسر الحليف التركي بعد استنجاد الأمير تميم بالألمان، أعداء السلطان.
وكما أقامَ إعلام قطر الدنيا ولم يُقعدها عندما وطأت أقدام تميم أرض تركيا، فإن مجردَ لقائه بالمستشارة الألمانية، سوفَ يُعدُ نصرا مبيناً، على غرار تحريف تصريحات وزير الخارجية الألماني سيغمار غابرييل، إبان زيارته للدوحة في يونيو الماضي، حين تمت ترجمتها على هوى "المستشار" ولحاجة في نفس تميم.
وبمنطق السياسة والمصالح، لا يُتوقع من ميركل إغفال مطالب السعودية والإمارات والبحرين ومصر، في لقائها بتميم، ولن يصدر عن هذا اللقاء "المهم" لدى إعلام الدوحة غير بيان بروتوكولي من قبيل "تم بحث آفاق التعاون بين البلدين الصديقين وسبل تطويرها، وآخر التطورات الإقليمية والدولية وفي مقدمتها الأزمة الخليجية".
وبالمحصلة، فإن طريق حل الأزمة ليس هناك في الغرب، بل قابَ قوسين أو أدنى، فكثيرا ما نصح الوزيرُ قرقاش الشقيقَ المرتبك بأن يختصر المسافات ويتوجه إلى الرياض، لينهي الأزمة مع أشقائه، لكن العناد القطري لا يزال مستمرا، ربما لأن النصيحة تأتي من وزير دولة تسببت في هدم مشروع قطر الإستراتيجي الكبير، الذي أنفقت عليه تريليونات الدولارات، وهو تمكين تنظيم الإخوان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة