النظام القطري لم يجد من أدوات المقاومة سوى تلك النماذج الفاشلة سابقا فأعاد تكرارها عبر مواقع التواصل الاجتماعي
في حمأة الفوضى والمظاهرات التي كانت تعم عواصم في المنطقة العربية العام ٢٠١١، ظهرت في المملكة نداءات تحاول أن تستنسخ التجربة ذاتها في الشارع السعودي، تم الإعلان عما سمي يومها "ثورة حنين".
كان الاسم استدعاء تاريخيا غبيا وفِي غير محله، فالثورات التي في القاهرة وتونس وليبيا وغيرها كانت تحمل شعارات مواجهة القمع والاستبداد وتمكين الأجيال الجديدة ومواجهة أكاذيب الديمقراطية والانتخابات التي ظلت تلعب بها بعض الأنظمة على شعوبها لعقود طويلة.
لكن الذين تمنوا أن تمتد الفوضى للشارع السعودي لم يجدوا أيا من تلك المبررات فاتجهوا للعب على الوتر الديني عبر ذلك الاستدعاء، وهو ما مثل إعلانا ضمنيا أن ما تتم الدعوة إليه ليس متماثلا مع ما يحدث في المنطقة (على افتراض استثمار الحماس العارم آنذاك).
طبعا كانت وسائل التواصل الاجتماعي هي الساحة الوحيدة لذلك التهييج وتواصلت الهاشتاقات والمعرفات الوهمية التي تبين لاحقا من كان يقف خلفها في طهران ولندن والدوحة، لكن شيئا في الواقع لم يحدث وانتهت مسرحية ثورة حنين بعد أن انطفأت في وسائل التواصل الاجتماعي.
النظام القطري لم يجد من أدوات المقاومة سوى تلك النماذج الفاشلة سابقا فأعاد تكرارها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعبر الشخصيات التي تبناها ودعمها لإطلاق «حراك ١٥ سبتمبر» وانتهى ذلك التاريخ مخلفا هاشتاق تافها وطرائف جديدة يضحك عليها السعوديون
تلك التجربة تضعنا أمام أبرز مبرر من مبررات فشل كل الدعوات التي سعت لتجعل الفوضى والاضطراب تجد طريقها للشارع السعودي؛ كل الأسباب التي تدعو لذلك لا وجود لها في الحياة السعودية، الأنظمة التي دخلت في مواجهات مع شعوبها كانت أنظمة قائمة على خديعة مطلقة فهي تسمي نفسها جمهوريات ولديها انتخابات ومع ذلك يبقى الزعماء في سدة الحكم لعقود طويلة وهو ما يشير إلى انسداد عام في الأفق الوطني يجعل حالة التذمر والقبول بفكرة المواجهة أمرا سائغا، في الوقت ذاته تظل الأنظمة الملكية بعيدة تماما عن تلك الخديعة ونموذجها في الحكم واضح واقعي وصادق. وتستمد شرعيتها من معطيات تاريخية واجتماعية وتنموية تستند للتأسيس والتوحيد وبناء الدولة وحماية أمنها ومواطنيها.
ظلت المملكة نموذجا للاستقرار منحها كل عناصر القوة التي جعلتها تحمل مسؤولية نشر الاستقرار إقليميا والحفاظ على أمن محيطها العربي، واستطاعت في أحلك الفترات السياسية أن تحافظ على أمنها الداخلي وأن تستثمره لإعادة الاستقرار لدول المنطقة التي كادت تعصف بها أحداث الفوضى.
ذلك الواقع القوي للمملكة جعل كل دوائر التآمر في حالة تخبط قصوى ولم يستطع أي منها النفاذ إلى الداخل السعودي، كان الإرهاب أبرز الأدوات التي تم تجريبها على مستويين: التهمة والاستهداف؛ التهمة بدعم الإرهاب ودعم الخلايا والجماعات الإرهابية التي تستهدف المملكة، لم تنجح كل تلك المخططات وقدمت الأجهزة الأمنية السعودية أبرز نموذج عالمي في مواجهة الإرهاب والقضاء عليه.
اتجهت دوائر التآمر لتبني أصوات معارضة في الخارج وأمدتها بالمال والدعم المستمر لكنها تحولت بعد كل تلك السنوات إلى طرائف يتندر عليها السعوديون في مجالسهم، حملت تلك المعارضة شعارات دينية فلم تفلح في المزايدة على الثقافة السعودية ثم حملت شعارات حقوقية فضفاضة لم يصل خطابها للشارع أصلا، ثم اتجهت لمطالب تنموية فرد عليهم الشارع ضمنا أن الدعوة لمزيد من التنمية تحتاج لمزيد من الأمن لا للثورات والفوضى.
وصلنا إلى اللحظة التي يجب فيها وقف تلك الأنشطة المعادية بعد أن استطعنا إقفال الملفات الكبرى في المنطقة، واجهنا كل الجماعات المسلحة بكل قوة وحق، ثم واجهنا الأنظمة المتآمرة.
بالأمس مرت مائة يوم على قرار المقاطعة العادل الذي اتخذته أربع دول على رأسها المملكة ضد النظام القطري الذي تولى لسنوات تمويل وإدارة تلك الدوائر التآمرية تجاه المملكة ودول الخليج ودول عربية أخرى، وبينما النظام القطري في هذا الواقع المتأزم لم يجد من أدوات المقاومة سوى تلك النماذج الفاشلة سابقا فأعاد تكرارها وبالوسائل والأدوات القديمة ذاتها وعبر مواقع التواصل الاجتماعي وعبر الشخصيات التي تبناها ودعمها في الخارج لإطلاق «حراك ١٥ سبتمبر» وانتهى ذلك التاريخ مخلفا هاشتاق تافها وطرائف جديدة يضحك عليها السعوديون في مجالسهم مرة أخرى.
نقلا عن "عكاظ"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة