إمبراطورية «تاتا» الهندية.. صانعة «آيفون» و«جاغوار» تدفع ثمن التوسع العملاق
تواجه مجموعة تاتا الهندية العملاقة تحديات اقتصادية وإدارية معقدة تهدد استقرارها طويل الأمد.
وكانت المجموعة التي قادها لفترة طويلة ريتان تاتا وحولها إلى إمبراطورية صناعية متقدمة عالميًا تشمل صناعات السيارات والتقنيات، تسيطر بالفعل على علامات تجارية بريطانية أيقونية مثل جاغوار لاند روفر وشاي تيلي، كما تنتج أجهزة آيفون لشركة أبل في الهند، مما يجعلها لاعباً رئيسياً في الصناعات التكنولوجية والتصنيعية.
ومع ذلك، تعكس الأزمات الحالية صعوبات داخلية كبيرة تهدد قدرتها على إدارة النمو والتوسع.
صراع داخلي
وتتمحور الأزمة الرئيسية حول صراعات داخلية بين أعضاء مجلس الأمناء لمؤسسة تاتا، التي تملك 66% من أسهم الشركة الأم تاتا سونز، مما يسلط الضوء على التحدي المتعلق بالحوكمة في هيكلية المجموعة الفريدة التي تجمع بين الأهداف التجارية والخيرية.
ومنذ وفاة ريتان تاتا، برزت الخلافات حول ترشيحات مجلس الإدارة، والموافقة على التمويلات، وخطط إدراج تاتا سونز في البورصة، وهو ما يثير تساؤلات حول قدرة المؤسسة على اتخاذ قرارات استراتيجية فعّالة في مواجهة تغيرات السوق.
في الوقت ذاته، تواجه مجموعة تاتا تحديات اقتصادية ملموسة. فشركة TCS، الذراع البرمجية للمجموعة والمساهمة بما يقارب نصف إيراداتها، شهدت تقليصاً في القوى العاملة وفقدت عقوداً مهمة مثل العقد مع شركة Marks & Spencer، ما أثر على استقرار الإيرادات.
ويواجه قطاع الطيران، عبر شركة Air India التي استحوذت عليها المجموعة عام 2021، أيضاً ضغوطاً هائلة بعد حادث تحطم مأساوي، مما يزيد من صعوبة إدارة التوسع وتحقيق الأرباح المرجوة.
إضافة إلى ذلك، يشكل موضوع الإدراج العام لتاتا سونز محوراً آخر للصراع. ويسعى أكبر المساهمين الأقلية، مجموعة SP، إلى إدراج الشركة في البورصة لتحرير قيمة الأسهم وتحسين الشفافية والحوكمة، بينما يعارض معظم الأمناء هذا التوجه خشية أن يؤدي الإدراج إلى فقدان التركيز على المشاريع طويلة الأجل، وتعريض المجموعة لضغوط السوق الفصلية، خاصة في ظل دخولها مجالات جديدة مثل أشباه الموصلات والمركبات الكهربائية.
ومن منظور اقتصادي، تعكس هذه الخلافات الداخلية صعوبة الموازنة بين الاستدامة المالية والنمو الاستراتيجي. فهيكلية الملكية الخيرية للمجموعة توفر مزايا ضريبية وقدرة على القيام بمشاريع خيرية، لكنها في الوقت ذاته تحد من مرونة اتخاذ القرارات التجارية السريعة، وهو عامل حاسم في الأسواق العالمية المتقلبة.
كما أن الأزمات الأخيرة، بما في ذلك هجمات إلكترونية على وحدات الإنتاج في المملكة المتحدة وأزمات التشغيل في TCS وAir India، تزيد من أهمية وجود قيادة مركزية قادرة على إدارة المخاطر المالية والتشغيلية.
قيادة رشيدة
ويبرز في هذا السياق دور الرئيس التنفيذي الحالي ن. تشاندراسيكاران، الذي تم تمديد فترة ولايته رغم الانقسامات، ليضمن استمرارية العمليات التشغيلية ويحد من تأثير النزاعات بين الأمناء على الأعمال اليومية. ويشير المحللون إلى أن استقرار المجموعة يعتمد اليوم أكثر من أي وقت مضى على إيجاد نموذج حوكمة أكثر شفافية ومرونة، قادر على مواجهة التحديات الاقتصادية الداخلية والخارجية على حد سواء، مع الحفاظ على التوازن بين النمو التجاري والالتزامات الخيرية للمؤسسة.
وبذلك، تواجه مجموعة تاتا مرحلة حرجة تتطلب معالجة الصراعات الداخلية وإعادة تأكيد القدرة على التوسع الاقتصادي في قطاعات واعدة مثل التكنولوجيا والسيارات الكهربائية، بينما تظل مسائل الحوكمة والإدراج العام محوراً حاسماً يحدد مستقبل الاستدامة المالية والقدرة التنافسية للمجموعة في الأسواق العالمية.