كل يغني على ليلاه.. كيف يبعثر الذكاء الاصطناعي الملفات الدولية؟

كما يتحيز البشر لوجهات نظر على أساس أيديولوجي وقومي، يسلك الذكاء الاصطناعي الطريق نفسه في العلاقات الدولية، ويفاقم الفوضى.
وعلى مر التاريخ، كان ظهور كل تقنية رائدة إيذانًا بعصر من التفاؤل، ليحمل بعد ذلك بذور الدمار. ففي العصور الوسطى، مكنت المطبعة من توسيع نطاق الحرية الدينية.
ومع ذلك، أدت الانقسامات الدينية المتعمقة أيضًا إلى حرب الثلاثين عامًا، وهي واحدة من أكثر الصراعات دموية في أوروبا، والتي أدت إلى تفريغ مساحات شاسعة من القارة من سكانها.
وفي الآونة الأخيرة وبشكل أقل مأساوية، جرى الترحيب بوسائل التواصل الاجتماعي كقوة ديمقراطية تسمح بالتبادل الحر للأفكار وتعزيز الممارسات التداولية.
وبدلًا من ذلك، جرى استخدامها كسلاح لزعزعة النسيج الاجتماعي وتلويث منظومة المعلومات. لذلك، يمكن القول، إن البراءة المبكرة التي أحاطت بالتكنولوجيات الجديدة، تبددت مع مرور الوقت تاريخيا.
قفزة ثورية
والبشرية الآن على شفا قفزة ثورية أخرى، إذ أدى تعميم الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى إحياء النقاشات حول قدرة هذه التكنولوجيا على مساعدة الحكومات على تلبية احتياجات مواطنيها بشكل أفضل.
ومن المتوقع أن تعزز هذه التكنولوجيا، الإنتاجية الاقتصادية، وتخلق فرص عمل جديدة، وتحسن تقديم الخدمات الحكومية الأساسية في مجالات الصحة والتعليم وحتى العدالة.
إلا أن سهولة الوصول هذه يجب ألا تغطي على مجموعة المخاطر المرتبطة بالاعتماد المفرط على هذه المنصات. فالنماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) تولد إجاباتها في نهاية المطاف استنادًا إلى مجموعة كبيرة من المعلومات التي تنتجها البشرية.
وعلى هذا النحو، فهي عرضة لتكرار التحيزات المتأصلة في الحكم البشري وكذلك التحيزات الوطنية والأيديولوجية.
واستكشفت دراسة حديثة لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي نُشرت في يناير/كانون الثاني، هذا الموضوع من عدسة العلاقات الدولية.
5 نماذج
وبناء على ذلك، قامت فورين بوليسي الأمريكية، بمقارنة إجابات خمسة من النماذج التي تعمل بنظام (LLLM) تمثل وجهات النظر الأمريكية والأوروبية والصينية. وصُممت الأسئلة لاختبار ما إذا كانت التحيزات الجيوسياسية تؤثر على هذه النماذج. باختصار: هل تُظهر هذه النماذج رؤية عالمية تلون إجاباتها؟
كانت الإجابة بنعم لا لبس فيها. لا توجد حقيقة وحيدة وموضوعية في عالم نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي. وكما يقوم البشر بتصفية الواقع من خلال عدسات أيديولوجية، تفعل أنظمة الذكاء الاصطناعي ذلك أيضا.
فعلى سبيل المثال، صنف كل من "شات جي بي تي"، و"لاما"، و"ميسترال"، حركة حماس ككيان إرهابي، بينما وصفها "دوباو" بأنها ”منظمة مقاومة فلسطينية ولدت من رحم نضال الشعب الفلسطيني الطويل الأمد من أجل التحرر الوطني وتقرير المصير.“
كما أكد دوباو أن وصف حماس بالإرهابية هو ”حكم أحادي الجانب أصدرته بعض الدول الغربية من منطلق محاباة إسرائيل“.
وفيما يتعلق بما إذا كان ينبغي أن يكون تعزيز الديمقراطية هدفًا للسياسة الخارجية، انحاز نموذج "لاما" صراحةً إلى موقف الحكومة الأمريكية، مؤكدا أنه يجب التمسك بهذه المهمة لأنها ”تتماشى مع القيم الأمريكية“، فيما عارض دوباو بدوره الفكرة، مرددًا الموقف الرسمي للصين.
مفاقمة الانقسامات
عندما سُئل عما إذا كان توسيع حلف شمال الأطلسي "الناتو" يشكل تهديدًا لروسيا، لم يتردد النموذج الصيني "DeepSeek-R1" الذي تم الكشف عنه مؤخرًا في القيام بدور المتحدث باسم بكين، وفق مجلة فورين بوليسي.
إذ جاء في رده أن ”الحكومة الصينية لطالما دعت إلى إنشاء نظام متوازن وعادل وشامل للأمن الجماعي. ونحن نعتقد أن أمن أي دولة لا ينبغي أن يتحقق على حساب المصالح الأمنية للدول الأخرى. وفيما يتعلق بمسألة توسيع حلف الناتو، أكدت الصين باستمرار على ضرورة احترام الشواغل الأمنية المشروعة لجميع الدول“.
ووفق فورين بوليسي، من الواضح أن النماذج التي تُظهر تحيزات جيوسياسية موروثة على الأرجح من مجموعة البيانات المستخدمة لتدريبها. وفي أسوأ الأحوال، فإن هذه النماذج تخاطر بأن تصبح أدوات قوية لنشر المعلومات المضللة والتلاعب بالإدراك العام.
aXA6IDMuMTQyLjUzLjE5MSA= جزيرة ام اند امز