حكمت العلاقات الأميركية- الإيرانية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مواجهات غير معلنة وغير معروفة الملامح، بقيت ضمنية ولم يتناولها الإعلام بالإشارة أو التحليل
حكمت العلاقات الأميركية- الإيرانية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مواجهات غير معلنة وغير معروفة الملامح، بقيت ضمنية ولم يتناولها الإعلام بالإشارة أو التحليل، لكنها شرسة ومتواصلة ولم ينقطع خيطها حتى إثر توقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الدول (5+1) الذي رعته إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وكان وزير خارجيته جون كيري عرّابه المُحلَّف.
إلا أن تلك الحرب الأعلى سرّية، والأبعد من الإعلام والتداول المتاح، حروب مصيرية أيضاً وعميقة المرامي كغيرها من حروب أميركا في الشرق الأوسط. فالولايات المتحدة ومن خلال تطبيق العقوبات الاقتصادية على إيران، وكذلك عزل طهران على مستوى العمل الديبلوماسي والحراك الدولي، والنشاط الاستخباراتي الحثيث الذي يهدف إلى متابعة ومراقبة نشاطها النووي، كانت تدفع إلى كبح جماح الطموح الإيراني في التحول قوة ضاربة مهيمنة على المنطقة. وكانت الحكومات الأميركية المتعاقبة خلال العقد الأخير ترى في محاولات إيران لتكبير حجمها النووي العسكري تهديداً عظيماً لاستقرار الشرق الأوسط والخليج، ولأمنها القومي.
وفي الوقت عينه، قامت إيران بعمليات معاكسة لإحباط مساعي الولايات المتحدة في تقويض برنامجها النووي ومحاولة ليّ ذراعها في دول الجوار، بل لتتدخل في شؤونها الداخلية محاولة زعزعة الاستقرار والسلم الأهلي في غير بلد جار. واستغلت إيران في حربها المضادة هذه حالة غياب الاستقرار في المنطقة، وحاولت توظيفها لمصلحتها محاولة زعزعة المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.
وسبقت تلك المواجهات محاولات أميركية جدية لاستيعاب الطرق والآليات ورصدها التي تم من خلالها تطوير البرنامج النووي الإيراني بأذرعه العسكرية من دون أن يلحظه العالم، إلى أن أصبح هذا الطموح النووي يهدد الأمن الإقليمي والعالمي. فإدارة الرئيسين، جورج دابليو بوش ثم باراك أوباما، أحيت روح التشاركية مع إيران في محاولة لحل هذه العقدة النووية على طريقة العصا والجزرة، وهي السياسة التي شابها الكثير من الأخطاء إلى أن وصل الطرفان إلى إقرار الاتفاق النووي الشهير، مع إثارة الكثير من الشك بالأجندات الإيرانية المستترة.
من نافلة القول إن الولايات المتحدة لا تزال تعاني من خلافات عميقة مع إيران على رغم البدء بتنفيذ الاتفاق، حيث تفيد مجمل التوجهات الأميركية وتصريحات المسؤولين وفي مقدمهم أوباما بعد فترة وجيزة جداً من إبرام الاتفاق، بوجود تهديدات بيّنة من إيران لجهة استقرار وأمن الشرق الأوسط، ودعمها لإرهاب المنظمات العقائدية العابرة للحدود، وانتهاكاتها لحقوق الإنسان داخل أراضيها وفي الدول التي تنشط أذرعها الميلشيوية فيها، وأن الولايات المتحدة في حال جاهزية تامة لرد هذه التهديدات والاستمرار بإحكام العقوبات على إيران لجهة برنامجها الخاص بالصواريخ الباليستية البعيدة المدى. ومن أبرز الشواهد على غياب الثقة الأميركية بالطرف الإيراني، على رغم توقيع الاتفاق عزم الولايات المتحدة على الاستمرار في مراقبة الأنشطة والمنشآت النووية الإيرانية من طريق بعثات مباشرة من المفتشين الدوليين للكشف المبكّر عن أية محاولة لإخفاء نشاط نووي محظّر دولياً يقع خارج نطاق الاتفاق.
أما بوصول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى السلطة وإعلانه غير مرة خلال حملته الانتخابية عن عزمه إلغاء الاتفاق، وبالتالي تقويض مساعي إيران القائمة منذ 1980 والهادفة إلى تمكين قدرتها النووية العسكرية، وكذا كشف ترامب عن فهمه وتوجسه من استراتيجياتها الرامية إلى تصدير العنف المذهبي إلى دول الجوار لبسط سيطرتها على الشرق الأوسط عبر أذرها الطائفية، فالمرجّح أن يبدأ منحى جديد تماماً حيال إيران، وسيكشف بالنتيجة حجم وعمق اضطراب العلاقات بين واشنطن وطهران، وكذا مدى جدوى وجديّة المفاوضات التي قامت بين الدولتين بتبعاتها القانونية، بما يشكل مدخلاً لفهم النتائج القريبة والبعيدة الأمد لهذه العلاقة، وكيف أن على إدارة ترامب الجمهورية المتشددة أن تحرّك خيوطها المتشابكة ضمن دوائر سياسية محورية وصعبة، بل معقدة في أغلب الأوقات، وذلك إثر أفول نجم أوباما وليبراليته الرخوة.
* نقلاً عن " الحياة "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة