بالصور.. "العين الإخبارية" في جولة بالسرابيوم "معبد الألغاز" المصري
سرابيوم سقارة يتكون من مجموعة من الأنفاق والسراديب بطول 400 متر، محفورة في قلب صخر هضبة سقارة، ويبدأ بممر طويل يؤدي إلى سلالم
يعد معبد السرابيوم الموجود في صحراء سقارة بمصر لغزا محيرا للعلماء والمتخصصين في علوم المصريات، سواء بسبب وجود توابيته بهذه الأعداد الكبيرة وتصل إلى 26، أو صنعها من الجرانيت شديد الصلابة، وبهذا الحجم الضخم، فضلا عن سراديبه وأنفاقه الطويلة التي تتجاوز 400 متر، والهندسة الفريدة المستخدمة الموجودة في القرن الثالث قبل الميلاد، التي تعد إعجازا علميا وهندسيا عظيما.
فكرة السرابيوم
السيرابيوم هو اسم يطلق على كل معبد أو هيكل ديني مخصص لعبادة إله الوحدانية سيرابيس، وهي عبادة مقدسة في مصر في العصر الهيلينستي"اليوناني"، تجمع بين إلهين من آلهة مصر القديمة وهما أوزوريس وأبيس، والهدف منها جعل المواطنين ذات الأصول الإغريقية والآخرين من ذوي أصول مصرية يشتركون في عبادة الإله الحامي الذي يجمع بين صفات الإلهين الإغريقيين "زيوس وهاديس" مع صفات الإلهين المصريين "أوزوريس وأبيس".
ويوجد العديد من السرابيوم في مصر وإيطاليا، منها الموجود في سقارة وآخر موجود في الإسكندرية وهو مخصص للإله سرابيس، كما يوجد سرابيوم في روما القديمة، وفي مقاطعة أتاكما، وهو أحد المعابد المكرسة للإلهين المصريين إيزيس وأوزوريس، وسيرابيوم آخر بمنطقة كامبو مارتسيو في روما، لكن يعد سرابيوم سقارة الأهم والأكثر تعقيدا في هندسته النادرة.
ويعد سرابيوم سقارة أهم المقابر التي بنيت في منف، ويقع في مجمع مدافن العجل أبيس، الذي كان مقدسا في فترة الأسرات المصرية القديمة, ويرمز للخصوبة ويعبد في منف، واعتبر قدماء المصريين أن روح الإله "بتاح" تتجسد فيه، وسرابيوم يعني مقر أو ضريح الإله سرابيس، وهو مسمى يوناني مرتبط بالمسمى اليوناني "سرابيس" للإله المصري القديم "حب" أي "الثور أبيس"، وسرابيس كلمة مركبة تجمع بين الإلهين "أوزير" و"حب"، واكتشفه عالم المصريات أوجست مارييت عام 1848.
وصف السرابيوم وألغازه المحيرة
يتكون سرابيوم سقارة من مجموعة من الأنفاق والسراديب بطول 400 متر، محفورة في قلب صخر هضبة سقارة، ويبدأ بممر طويل يؤدي إلى سلالم عبارة عن مصاطب كبيرة، في آخرها باب صغير، يفتح على ممر رئيسي على استقامة واحدة طوله 136 مترا، أرضيته خشبية، وأخرى زجاجية، لروؤية الأرض الأصلية للممرات، وعلى جانبيه 24 غرفة دفن مقببة منحوتة في الصخر، لا تواجه هذه الغرف بعضها بعضا، بل حفرت بالتبادل حتى لا تحدث ضغطا على التربة الطينية التي حفرت عليها، وجداريات المقبرة تزينها النقوش المصرية القديمة، وتحتوي كل غرفة دفن على تابوت ضخم من الجرانيت ذي الألوان المختلفة، تظهر عليها نقوش مصرية قديمة متعددة.
وأنفاق السرابيوم لها باب واحد يُعتبر هو المدخل والمخرج، على استقامة واحدة، والرؤية داخل الأنفاق حتى مع وجود الشمس معتمة للغاية، ولا يُوجد أي أثر لمواضع المشاعل على جدران النفق، ما يعد لغزا محيرا دفع البعض للتساؤل هل كان هناك كهرباء في مصر القديمة؟
كما أن الأنفاق ليست محفورة في الرمال لكنها محفورة في صخور سقارة، ما يتطلب مجهودا مضاعفا لا يُصدق أنه نفذ باستخدام اليد البشرية وحدها، ما يفتح الباب أما التساؤل: هل صنعت بآلات قوية ومتقدمة؟
التوابيت لغز آخر من ألغاز السرابيوم من حيث عددها وضخامة حجمها، إذ يبلغ عددها 26 تابوتا مصنوعا من الجرانيت مُتقن الصنع، ووزن جسم التابوت 70 طنا، أما غطاؤه فيزنُ نحو 30 طنا، ويترواح ارتفاع التابوت بين 3 و4 أمتار، ويصل عرضها إلى 2.5 متر، وطولها 3 أمتار.
اللغز في مجموعة التوابيت ليس في عددها أو ضخامتها فقط، وإنما في سبب صنعها أيضا، إذ وجدت كلها خالية ومغلقة عدا تابوت واحد فقط، ما ينفي ادعاءات عالم الآثار مارييت مكتشف المقبرة، أنها توابيت لدفن جسد العجل أبيس، إذ لم يُعثر في أي تابوت منها على أي مومياء أو جثة لجسد العجل أبيس، ويبقى السؤال المحير لماذا صنعت هذه التوابيت؟
والتوابيت كُلها مصنوعة من صخور عالية الصلابة مثل الجرانيت الأحمر والأسود، وهي صخور لا يمكن التعامل معها إلا عن طريق قواطع الماس، ما يطرح مجموعة من التساؤلات: كيف قطع المصري القديم هذه الصخور الضخمة شديدة الصلابة وصقلها بهذا الشكل؟ هل تصلح المعاول وآلات الطرق البدائية في عمل كهذا؟ أم استخدمت آلات ومعدات متقدمة جدا بالمقارنة بهذا الزمان؟ وكيف وضعت تلك التوابيت العملاقه داخل النفق الذي له مدخل واحد ضيق جدا؟ إضافة إلى أن جميع زوايا التابوت الداخلية والخارجية عبارة عن 90 درجة كاملة بدقة تامة.
وهكذا يبقى معبد سرابيوم سقارة وأنفاقة وممراته، إضافة إلى توابيته، لغزا كبيرا يحير العلماء والمتخصصين في تاريخ وحضارة مصر القديمة.