الأمر المؤكد أن قرار مجلس الأمن هو الذي فتح الطريق أمام انعقاد مؤتمر باريس لكن نجاح مؤتمر باريس سوف يبقي معلقا علي عدد من الشروط المهمة
يبدأ المؤتمر الدولي لسلام الشرق الاوسط أعماله في باريس اليوم في حضور 70دولة يمثلون غالبية المجتمع الدولي، في مقدمتهم أعضاء مجلس الامن الدائمين، وغير الدائمين وجميع الاطراف المعنية بقضية سلام الشرق الاوسط باستثناء إسرائيل التي قررت مقاطعة المؤتمر ورفض قراراته وتوصياته،اما الجانب الفلسطيني فسوف يمثله رئيس السلطة الوطنية، أبومازن، وسوف يشهد المؤتمر حضورا أوربيا قويا يعكس الدور الاوروبي المتزايد في الازمة بسبب الارتباط الوثيق بين أمن الشرق الاوسط وامن المتوسط والأمن الأوروبي، كما يمثل الولايات المتحدة في المؤتمر جون كيري وزير خارجية اوباما في آخر جهد دبلوماسي لادارة اوباما التي فاجأت العالم بقرارها المهم رفض استخدام الفيتو الامريكي لاول مرة ضد قرار مجلس الامن الذي صدر بالاجماع وأدان استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات علي ارض الضفة والقدس، باعتباره عملا غير قانوني، وعقبة أمام قيام دولة فلسطينية مستقلة تقوم إلي جوار إسرائيل.
والأمر المؤكد ان قرار مجلس الأمن هو الذي فتح الطريق امام انعقاد مؤتمر باريس الدولي، لكن نجاح مؤتمر باريس سوف يبقي معلقا علي عدد من الشروط المهمة أولها، إدراك المؤتمر ان قضية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي في جوهرها هي قضية احتلال إسرائيل للارض الفلسطينية لاكثر من 50عاما رغم قرارت الامم المتحدة وقرارات مجلس الامن، ومصادرتها أراضي الفلسطينيين في الضفة والقدس بما في ذلك اراضي الاسر التي تم هدم بيوتها والاستيلاء علي مزارعها بقوة السلاح.
ومع الاسف تواطأ المجتمع الدولي بالصمت علي استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات رغم العديد من القرارات الدولية التي أدانت الاستيطان باعتباره عملا غير قانوني وجريمة حرب تستهدف تغيير الوضع الجغرافي والسكاني للارض المحتلة،كان نتيجتها بناء أكثر من 150كتلة استيطانية يسكنها 400الف مستوطن في الضفة و200الف مستوطن في القدس الشرقية، إضافة إلي 100بؤرة أستيطان اقيمت علي اراضي الاسر الفلسطينية التي هدمت بيوتها ومزارعها وطردت من ارضها رغما عن القانون الدولي ورغما عن القانون الاسرائيلي!..،وما لم يبذل مؤتمر باريس كل جهوده من اجل إنهاء احتلال إسرائيل للارض الفلسطينية الذي يمثل آخر واقبح صور الاحتلال التي عرفتها الانسانية علي امتداد تاريخها وصولا إلي القرن الحادي عشر، فسوف تبقي القضية تدور في نفس الحلقة المفرغة ذاتها من تفاوض غير مثمر، كانت نتيجته تكريس الامر الواقع علي حساب حقوق الشعب الفلسطيني!.
شرط النجاح الثاني أن يتمكن المؤتمر من كسر هذه الحلقة الكاذبة من الخداع التي تحيط بقضية التفاوض المباشر بين الفلسطينيين والاسرائيليين التي يصر عليها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نيتانياهو بهدف استنزاف الوقت والجهد بغير طائل، بينما يواصل جهوده في بناء المستوطنات فوق الارض المحتلة، لان ادعاء رئيس الوزراء الاسرائيلي بأن أى تسوية للصراع الفلسطيني الاسرائيلي لابد ان تتم من خلال التفاوض المباشر دون شروط مسبقة بين الفلسطينيين والاسرائيليين ودون تدخل أى اطراف اقليمية او دولية ادعاء غير صحيح يقوم علي افتراض غير صحيح، باننا إزاء طرفين متكافئين لهما مصلحة مشتركة في فض هذا النزاع تلزمهما الوصول إلي حل وسط، لكن واقع الامر يؤكد اننا إزاء قوة احتلال تملك كل اسباب القهر والقوة، الارض والناس والحقوق في مواجهة طرف ضعيف لا يملك سوي الرضوخ والاذعان، ولهذا السبب لم تسفر المفاوضات رغم اعوامها الطويلة وجولاتها العديدة عن اي تقدم حقيقي..، ولا اظن انها سوف تسفر عن شىء حتي لواستمر التفاوض الف عام!..، وما لم يتمكن مؤتمر باريس من فضح هذه الاكذوبة من خلال توافق المجتمع الدولي علي افق سياسي واضح ومحدد للتسوية السياسية للصراع الفلسطيني الاسرائيلي تؤكد حق الفلسطينيين في الخلاص من الاحتلال الاسرائيلي، فسوف نظل ندور في هذه الحلقة المفرغة إلي ان يتمكن نيتانياهو من تدمير كل فرص قيام الدولة الفلسطينية..، وأظن انه يقترب كثيرا من هذا الهدف!.
ويزيد من خطورة الموقف ان صقور إسرائيل وفي مقدمتهم نيتانياهو يعمون عن رؤية مستقبل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني إذا سدت كل ابواب التسوية السلمية!،و لايريدون ان يفتحوا عيونهم علي حقائق كثيرة تؤكد بوضوح بالغ ان إسرائيل لن تنعم بالامن والاستقرار في غيبة امن الفلسطينيين وإستقرارهم!، ومهما يكن نجاح إسرائيل في فرض الهدوء علي الارض الفلسطينية بقوة الاحتلال ومن خلال إجراءات الحصار والتفتيش والاعتقال وهدم المنازل وإقامة مئات الحواجز التي تحاصر المدن الفلسطينية جميعا خلف الجدار الحاجز، فان الشعب الفلسطيني لن يعدم ابتكار أساليب جديدة لمقاومة الاحتلال مهما تكن حيطة الإسرائيليين وتدبيرهم، وسوف يبتكر اساليب جديدة للمقاومة نراها الآن في حرب السكاكين وعمليات دهس المارة علي الارصفة في الشوارع التي غالبا ما يرتكبها افراد فرادي لا يضمهم اي تنظيم، ذئاب منفردة كما يقولون تصحو مبكرا وقد اتخذت قرارا حاسما بضرورة الانتقام لكرامتها المهدرة مهما يكن الثمن، تستل السكين المخبأة تحت الثياب لتطعن احد المارة الاسرائيليين او يسيطر عليها فجاة هاجس مجنون يدفعها إلي ان تدهس الاسرائيليين بالجملة علي الارصفة انتقاما للكرامة المهدرة، ويزيد من خطورة هذه الظاهرة ان النسبة العالية من الشعب الفلسطيني دون 40 عاما، شباب محبط يائس يحس بامتهان كرامته كل يوم وينطوي داخله علي مخزون هائل من الغضب والرغبة في الانتقام يمكن ان تنفجر في عمل عدواني مفاجئ في أى لحظة!.
اما الشرط الثالث لنجاح مؤتمر باريس فيكمن في إعادة الاعتبار للقانون الدولي الذي أهدرته إسرائيل علي نحو مسف يهدد الاستقرار الدولي، ولن يتم إعادة الاعتبار للقانون الدولي في غيبة رادع حقيقي يلزم إسرائيل جادة الصواب، لأنه لا معني لان توافق او توقع 70دولة تشكل غالبية المجتمع الدولي علي عدد من القرارت التي تهم الأمن والسلم الدوليين ربما يكون اهمها الاسراع بقيام الدولة الفلسطينية والاعتراف بها دولة مستقلة في اطار حدود 67،ثم تكون النتيجة ان تضرب إسرائيل بعرض الحائط هذه القرارات وتمتنع عن تنفيذ اي منها..، و إذا كانت إسرائيل تصر علي إفشال حل الدولتين والحيلولة دون قيام دولة فلسطينية إلي جوار دولة إسرائيل فان الحل الصحيح يكمن في دعوة كل أعضاء المجتمع الدولي إلي الاعتراف بالدولة الفلسطينية التي يعترف بها الان 133دولة خاصة ان الفلسطينيين قدموا قبل عدة سنوات اعترافا واضحا بالدولة الاسرائيلية، ويزيد من ضرورة هذه الخطوة اصرار نيفتالي بينت وزير التعليم ورئيس حزب(إسرائيل بيتنا) وأحد كبار صقور إسرائيل علي التقدم إلي الكنيست الاسرائيلي قبل نهاية هذا الشهر بمشروع قرار بضم مستوطنة معالية أدونيم التي تحاصر القدس الشرقية إلي إسرائيل، إضافة إلي رغبة نيتانياهو في إضفاء الشرعية القانونية علي البؤر الاستيطانية المائة التي اقيمت علي اراضي الاسر الفلسطينية،ويرفض القانون الاسرائيلي الاعتراف بها، يشجعهما علي ذلك اعتقاد راسخ بان الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب سوف ينتصر لرغبة صقور إسرائيل في ضم الكتل الاستيطانية الكبري وربما ينجح في حصار قرار مجلس الامن الذي ادان المستوطنات وتصفيته او الغائه كما حدث قبل عدة سنوات عندما وجد مجلس الامن نفسه مضطرا تحت ضغوط الامريكيين إلي إلغاء قرار يعتبر الصهيونية حركة عنصرية، فضلا عن أن ترامب، ينوي الاعتراف بالقدس عاصمة ابدية لاسرائيل وثمة ما يؤكد انه جاد في نقل السفارة الامريكية إلي القدس الشرقية.
ويبذل صقور الليكود غاية جهودهم لدفع الرئيس الامريكي الجديد لاتخاذ هذه الخطوات في أسرع وقت ممكن دون اعتبار لقوي عديدة مؤثرة داخل الولايات المتحدة تحذر ترامب من خطورة هذه السياسات التي يمكن ان تهدد امن الشرق الاوسط واستقراره وتؤدي إلي المزيد من العنف وتفسد علاقاته بالدول العربية ودون اعتبار لحجم الخلاف الذي يتسع بين رؤية الادارة الامريكية الجديدة لطبيعة الازمة ورؤية الاوروبيين الذين لايمانعون في اتخاذ قرارات مهمة تساند اعلان الدولة الفلسطينية، وتحض دول العالم جميعا علي الاعتراف بها علي نحو فوري، فضلا عن ان الفترة الاولي من حكم الرئيس ترامب سوف تعاني كثيرا عدم الاستقرار وغياب الوضوح بسبب تناقض كثير من مواقفه خلال حملته الانتخابية مع مصالح الولايات المتحدة في بقاع كثيرة من العالم، إضافة إلي الخلافات الاساسية التي تباعد بين رؤي الرئيس ثرامب ورؤي عدد مهم من اركان حكمه خاصة وزير الدفاع ومدير المخابرات المركزية ووزير الخارجية الذين يرون ان الروس لايزالون يشكلون التهديد الاول لأمن الولايات المتحدة عكس ما يراه الرئيس ترامب، كما يرون ضرورة الحفاظ علي الاتفاق النووي الذي وقعته واشنطن وطهران، وينصحون بعدم التسرع في نقل السفارة الامريكية إلي القدس الشرقية.
لكن الأخطر من ذلك كله ان رفض صقور إسرائيل لقيام الدولة الفلسطينية إلي جوار دولة إسرائيل والاصرار علي ضم 60% من أراضى الضفة، ووجود ما يقرب من 2.8مليون فلسطيني داخل إسرائيل الكبري كمواطنين من الدرجة الثانية لايتمتعون بحقوقهم السياسية، سوف يؤدي إلي قيام دولة عنصرية تقوم علي القهر، تنسف فكرة الدولة اليهودية، وتفسد نظامها الديمقراطي وتكرر من جديد مأساة جنوب افريقيا التي انتهت بانتصار الاغلبية السوداء لحقوق المواطنة لينتقل الحكم إلي الاغلبية علي حساب أقلية بيضاء مارست كل صور القهر كي تكبح طموحات الاغلبية لكنها منيت بالفشل الذريع، وهو المصير ذاته الذي ينتظر إسرائيل، طال الزمن او قصر بسبب إصرار صقورها علي رفض قيام الدولة الفلسطينية!.
* نقلا عن الأهرام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة