قبل أيام استعرض مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا"، فيسبوك سابقا، نظّارة الواقع الافتراضي المعزز، التي تتيح لمرتديها الولوج لهذا العالم الافتراضي الجديد، الميتافيرس.
ويرى "مارك" في الميتافيرس "مستقبل الإنترنت والبشرية".. واستثمر فيه 70 مليار دولار، فيما يرى رجال أعمال آخرون أن في صرف هذا المبلغ مخاطرة مالية غير محسوبة.
وخارج هذا السجال المالي البحت تنظر المجموعات الإرهابية إلى هذا الواقع المعزز كـ"فرصة" جديدة تريد اقتناصها وتسخيرها لأجندتها.. فقد تطور الإرهاب مع الزمن وأخذ أشكالا وأهدافا متغيرة مع كل حقبة تاريخية، ابتداء من الشكل البسيط الذي مارسته جماعة "الحشاشين" من اغتيالات لخصومها السياسيين بطعنهم بالخناجر، وصولا إلى الهجمات السيبرانية واستخدام الطائرات دون طيار، كأسلحة نوعية والعمل على تصنيع أسلحة بيولوجية أو أسلحة دمار شامل، واستخدام محافظ العملات الرقمية لنقل وإخفاء الأموال.
الجماعات الإرهابية والتنظيمات المتطرفة دائما ما تكون أصغر حجما وأقل قوة من الدول وأجهزتها الأمنية، إذا ما استثنينا الدول التي تعتبر "فاشلة"، ومع اختلال موازين القوى بين الطرفين يلجأ الطرف الأضعف إلى الإرهاب لتعويض فارق القوة النظامية بينهما، فيما يحتّم صراع البقاء على التنظيمات الإرهابية التكيُّفَ مع مختلف الظروف واستغلال كل الأدوات المتاحة لها، لتعزيز وجودها ونشر أفكارها وتمويل عملياتها وتجنيد مقاتلين في صفوفها.. هذا التكيف ليس رفاهية للجماعات الإرهابية وإنما ضرورة بقاء.
وقد شكّلت شبكة الإنترنت منذ ظهورها ثورة تكنولوجية عالمية، امتدت آثارها إلى جميع جوانب حياتنا اليومية، إذ جعلت من العالم قرية صغيرة، واختصرت المسافات بين الدول والأفراد، وضخّت لنا كمية مهولة من المعلومات الخطأ بجوار الصحيحة، وصارت منبرا لمن لا منبر له، واستفادت منها التنظيمات الإرهابية في ترويج أفكارها وتمويل عملياتها.
ومع صعود استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وجدنا جيشا مهولا من الحسابات الوهمية والحقيقية، التي روّجت ونشرت دعايتها بشتى اللغات، وبإخراج سينمائي محترف ينافس كبرى الشركات الإعلامية.
ويتوقع كثير من المحللين أن الميتافيرس سيشكل أرضًا افتراضية جديدة ومساحة لكثير من التنظيمات الإرهابية بمختلف توجهاتها الأيديولوجية، لجمع أتباعها وتسهيل عمليات التجنيد والتواصل مع أفرادها، ما يبعث بقلق مفاده أن الميتافيرس سيمكّن هذه الجماعات من إعداد سيناريوهات لهجمات إرهابية ودراسة المنشآت الأمنية والمدنية والتدرب على تفجيرها في الواقع الافتراضي قبل تنفيذ ذلك في الواقع الحقيقي.
هذا المستوى الجديد من التواصل سيرفع من خطورة الهجمات الإرهابية وآثارها التدميرية.. لذا تبقى الحاجة ماسة إلى تشريعات وأطر قانونية تنظم الواقع الافتراضي، وتستشرف ما سيكون عليه هذا العالم استباقا لخطورته، وتقييما لما يحويه من تحديات وفرص قد تكون فعالة في كبح التطرف والإرهاب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة