الاستعارة، التي نستطيع إسقاطها على المشهد السياسي الدولي، قد تجعل تسمية ما يقوم به اليسار الليبرالي في الغرب حيال العرب بـ"فيروس الابتزاز السياسي ومتحوراته" منطقية.
تلك المتحورات، التي تظهر تباعا، بطريقة تفضح ممارسات خاطئة لا منطق لها.
فحجم ردة الفعل الأمريكية، المبالغ فيها، على قرار منظمة "أوبك" وتحالف "أوبك بلس" بخفض إنتاج النفط، يعطي مؤشرا على استخفاف إدارة بايدن بعقول الناخبين الأمريكيين، سيما وأن الانتخابات النصفية بالكونجرس الأمريكي على الأبواب.
إن ترحيل مشكلات إدارة أمريكية غير قادرة على إيجاد معايير واضحة لسياسة خارجية أمريكية صحيحة، هو ترحيل لأزمة داخل الولايات المتحدة نفسها، بعد أن وصل "البيت الأبيض" إلى مفترق طرق صعبة، نتيجة تعامل صناع القرار به مع الشرق الأوسط، بعقلية مأزومة تبرع في استرضاء الأعداء واستعداء الحلفاء.
وإذا كانت منظمة "أوبك" تضم عددا لا يستهان به من الدول، فالأسئلة الكبيرة هنا: لماذا التركيز في الإعلام الأمريكي المنحاز لليسار على المملكة العربية السعودية بالذات؟ ولماذا يقوم الرئيس جو بايدن ومساعدوه بتبني خطاب اتهام هذا البلد العربي والإسلامي المهم؟.. علما بأن بيان وزارة الخارجية السعودية الأخير ركز على نقطة مهمة، تشرح ماهية الطلب الأمريكي الذي سبق التصويت على قرار أوبك، وهذا المطلب يمثل فضيحة كبرى في واشنطن، حين طلب أركان إدارة "بايدن" من "أوبك" والسعودية تأجيل موعد صدور القرار شهرا فقط، أي بعد الانتخابات النصفية في أمريكا، وبالتالي يتم توظيف ذلك سياسيا، بغية فوز حزب الرئيس بايدن في هذا الاستحقاق الداخلي على خصومه الجمهوريين.
إن تهرب مسؤولي "البيت الأبيض" ووزارة الخارجية في واشنطن من الاعتراف بأنهم طلبوا ذلك، يجعلهم أمام حقيقة ماثلة للعيان، وهي أنه لا السعودية ولا "أوبك" معنيون بتغليب كفة حزب على آخر في بلد مثل أمريكا، وليس بمقدورهم زيادة إنتاج النفط، الأمر الذي سيعود بالضرر على اقتصادات الدول المصدِّرة.
كان أولى بالولايات المتحدة، التي تحاول تسييس أي قضية، ألا ترفع مليشيات الحوثي الانقلابية في اليمن من قوائم الإرهاب الأمريكية، والتي شكّلت خطرا كبيرا على دول المنطقة، ومنعت حصول سلام مستدام في اليمن، وجعلت الحوثيين الإرهابيين يتمسكون بمصالح ضيقة لدولة راعية لهم، بعيدا عن مصلحة بلد يقيمون على أرضه، عملوا على تدميره وتحطيم مستقبله وتقطيع أوصاله.
ليست دول الخليج العربي وحدها هي التي تشتكي من سياسة أمريكا الحالية، فحتى دول أوروبا، الحليفة المفضلة لأمريكا، ترفع الصوت عاليا حين يرتبط الأمر بأسعار الغاز الأمريكي المُسال والقادم إلى أوروبا، ليباع بأسعار مرتفعة للغاية، تملأ جيوب كيانات معروفة بانتماءاتها داخل أمريكا.
وحتى الاتفاق النووي، المزمع توقيعه مع إيران، لم يتم دعوة أي دولة عربية خليجية للمشاركة في مفاوضاته بفيينا، وكان ولا يزال الفيتو الأمريكي على ذلك موجودا، لأن بايدن وفريقه السياسي يريدون أن يتفقوا دون التشاور مع الحلفاء أو حتى سماع هواجسهم الأمنية، وهم جيران لهذا البلد، الطرف الثاني في الاتفاق، وبالتالي هم معنيون بالدرجة الأولى قبل أوروبا.
وأمام فيروس الابتزاز السياسي هذا، فإن دول الخليج العربي تمتلك دون أدنى شك مناعة كبيرة ضده وضد متحوراته، وقد أثبتت التجارب أن هذا الأسلوب لا يُجدي نفعا مع صانع القرار في السعودية والإمارات، وسرعان ما يعيد التاريخ القريب كرته، ويستدير حكام "البيت الأبيض" بعد انقضاء موسم انتخابي أمريكي، ينطق فيه المرشحون بلغة لا تليق وبعيدة كل البُعد السياسات الحصيفة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة