ثبت أن ادعاء جماعة الإخوان الإرهابية التبرؤ من تيار "الكماليين" أو حركة "سواعد مصر.. حسم" الإرهابية، لم يكن هدفه إلا أن تظهر بمظهر عكس واقعها العنيف.
المؤتمر، الذي عقده ما يُسمى "تيار التغيير داخل تنظيم الإخوان" أو ما يعرف بـ"المكتب العام" مؤخرًا، يؤكد حالة الانقسام داخل الجماعة، التي يشكك فيها البعض وربما يُعززها بصورة أكبر، ودلالة ذلك هو قرب انهيار تنظيم الإخوان، أو على الأقل يمكن القول إن التنظيم يعيش الآن على أجهزة التنفس الصناعية، وهنا تُصارع الجماعة الموت.
ويمكن القول أيضًا إن العنف هو أحد مرتكزات تنظيم الإخوان الفكرية والحركية، فلم يتخلَّ عنه، ولن يتخلَّى، حيث بات عنوانًا ومنهجًا يؤمن به أعضاء التنظيم مهما حاولوا التسويق لأنفسهم بأنهم "جماعة دعوية"، فمن رحم التنظيم خرجت كل جماعات العنف.
تتعامل جماعة الإخوان باستراتيجية قد فشل البعض في فهمها، فرغم إيمانها بالعنف والقتل، فإنها رفضت أن يتوجه التنظيم بأكمله لهذه الممارسة واختارت لذلك ما أطلق عليه سيد قطب، مفكر التنظيم الإرهابي، "الطليعة المؤمنة"، بينما أبقت باقي التنظيم رهن الاستعداد لاستخدام العنف، وعملت على تسويق نفسها كـ"جماعة وسطية"!
هذه الحالة هي التي أفرزت قديمًا ما سُمي بـ"النظام الخاص" أو الذراع المسلحة لجماعة الإخوان، التي أحرقت القاهرة في ليلة واحدة مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، فالتنظيم رفض حلّ ذراعه تلك بعد أن طلب الرئيس المصري جمال عبد الناصر ذلك من مرشد التنظيم آنذاك، حسن الهضيبي.
هنا تعامل تنظيم الإخوان الإرهابي بمنطق دولة داخل الدولة، وعندما زاد الهجوم الشعبي عليه بسبب إرهابهم تبرؤوا من الذراع المسلحة حتى ضمان بقاء الجماعة!
ما حدث قديمًا كررته الجماعة حديثًا عندما أنشأت ما سمي "المليشيات الثورية"، التي قتلت المصريين، وعندما اشتد الهجوم عليها ومواجهتها ادعت الجماعة أنها تبرأت من هذا التيار، بل فوجئنا بها تنفي وجوده أصلًا، ثم تتبرأ منه بشكل علني، وفي الخفاء تتودد إليه وتعتبره معبّرًا عنها.
تيار "الكماليين" داخل الإخوان يمثل القطاع الأكبر في التنظيم، فأغلبهم من الشباب المسؤولين عن العمليات الإرهابية، فضلا عن أنهم استقطبوا بعض من يمثلون جماعات وتنظيمات إرهابية كانت تعيش على هامش التنظيم، ولكنها باتت الآن جزءًا منه.
ويعبر تيار إبراهيم منير داخل تنظيم الإخوان عن ترحيبه بجبهة الكماليين وأفعالهم، ويُرددون دائما قولهم: لا يوجد موقف عدائي من تحركات تيار التغيير أو الكماليين، وهم جزء من تنظيم الإخوان، والرهان معهم على الوقت والحوار.
لذا، فإن ادعاء الإخوان بألا عَلاقة لهم بالعنف والإرهاب يكشفه المؤتمر، الذي عقده "الكماليون" مؤخرًا، وما تمخّض عنه من وثيقة تؤكد هذا الاستخدام، بل وترسخ له وتعمقه، فهؤلاء الإرهابيون لا يخرجون بقرار وإنما يتم تفريخهم داخل حواضن الإخوان التربوية والحركية حتى يصلوا إلى مستوى العنف، الذي تريده الجماعة.
تيار "المكتب العام" نشأ من رحم ما يسمى "اللجنة الإدارية العليا"، التي تم اختيارها بانتخابات أفرزت محمد كمال، عضو مكتب الإرشاد، رئيسًا لها، وهو مَن قرر استخدام العنف والإعلان عن ذلك بعد أن أنشأ لجنة "شرعية" كانت مهمتها دراسة استخدام العنف من الناحية "الشرعية"! وكان من مخرجاتها ما أسماه "دراسة فقه المقاومة"، التي تم تعميمها بعد ذلك على كل المكاتب الإدارية للإخوان في مصر.. أليس هذا تأصيلا لإرهاب الإخوان واستخدام الدين واجهة لذلك الغرض المسموم؟!
لكن تنظيم الإخوان الإرهابي اضطر للتراجع عما قررته تلك "اللجنة الإدارية العليا" من تشريع لاستخدام العنف، لأنها أدركت أن مواجهة الأجهزة الأمنية في مصر لها فاق تخيُّلها، فضلا عن المواجهة والظهير الشعبي، الذي اصطف وراء قيادته السياسية وأجهزة أمنه، وهنا كان التراجع، وليس التبرؤ، لهدف تكتيكي وليس عَقَديًّا.
توقُّف هؤلاء المتطرفين تحت وقع الضربات الأمنية، التي نجحت في تفكيك كثير من خلاياهم، جاء فقط ليعيدوا تنظيم صفوفهم، وما تأييد جبهتي الإخوان، "منير" و"حسين"، إلا أوضح دليل على توجههم العنيف، لكن لكل من الجبهتين المتصارعتين استراتيجية في توقيت استخدام العنف، وليس في استخدامه أصلا.
يُنظر للمؤتمر، الذي عقده المكتب العام داخل الإخوان من زاويتين، إحداهما تتعلق بأن التيار، الذي يتمسك بمبادئ التنظيم هو الأكثر عنفًا، ويرى أنه الأكثر تعبيرًا عنه.
والزاوية الثانية هي أن هذا التيار هو الأكبر داخل التنظيم، فهؤلاء يُعبرون عن فهمهم الصحيح لأفكار التنظيم الإخواني الإرهابي.
تدشين وثيقة جديدة لتيار "الكماليين" داخل الإخوان هو بداية جديدة ومختلفة لموجات العنف الإخوانية المحتملة، فهؤلاء -وإنْ توقفوا عن بعض الممارسات العنيفة لبعض الوقت- يُريدون أن تبقى فكرة العنف متأصلة داخل نفوس كل إخواني، حتى تُعبر عنها الجماعة في الوقت الذي تراه مناسبًا.
التيار الثالث داخل الإخوان هو التيار الأكثر تعبيرًا عن أفكار وتوجهات الجماعة الإرهابية، فلم يراوغ في التعبير عن هذه الأفكار، التي خرجت في وثيقة تؤكد علاقة التنظيم القوية والقديمة والمتأصلة بالعنف والأفكار الإرهابية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة