تُقدم وثيقة "تيار التغيير"، التي أُعلنت مؤخرا، فصيل "الكماليون" الإخواني، نسبة إلى محمد كمال -مؤسس الجناح المسلح لتنظيم الإخوان الإرهابي- كصورة شاملة عن ذلك الفكر الذي يتنامى كورم خبيث.
فالوثيقة جاءت على خلفية انشقاقات عميقة تضرب التنظيم منذ سنوات، ويبدو أن أولئك "الكماليين" أرادوا استغلال الحرب الدائرة بين جبهتَي إبراهيم منير ومحمود حسين، لتشكيل جناحهم والانفصال عنهما، بهدف الحفاظ على تنظيم الإخوان، بعد أن صار يتهاوى ويفقد السيطرة على أعضائه، وانتقل الخلاف بين قياداته إلى العلن ووصل إلى حد اتهامات متبادلة بالفساد التنظيمي والمالي.
القراءة المعمقة في تفاصيل هذه الوثيقة تكشف بسهولة أنها تحمل ألغاما وقنابل موقوتة ضد المجتمعات الآمنة، وتؤكد بوضوح أن فكر أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية لا يتغير، وستظل "الجماعة" كما كانت إرهابية، سواء كان قادتها شيوخا أو شبابا، مع أن الهدف المعلن منها السيطرة على تنظيم "الإخوان" تحت مبرر أن القيادات السابقة ورّطت الشباب المصري في الفوضى التي حدثت في مصر عام 2013 وهربت تاركة الشباب يعانون في السجون!
ببساطة، الوثيقة تندرج ضمن الوسائل أو "الحيل"، التي يحاول بها "الإخوان" مغازلة الشعب المصري من جديد، عبر محاولات استدراج ودغدغة المشاعر الوطنية والقومية والدينية، بالإشارة في الوثيقة إلى القضية الفلسطينية، كوسيلة قديمة للتغلغل في المجتمع، لكن حالة الوعي، التي أبرزتها مواقف المصريين وردّة فعلهم من الوثيقة، أكدت كشفهم وفضحهم حالة القبح وبشاعة الفكر الإخواني المتأصل لديهم.
دون الخوض في تفاصيل الوثيقة، وهي كثيرة، فالخط العام لها لا يخرج عن كونها منشورا تحريضيا متعدد المستويات، حيث شملت تحريضا شبه صريح ضد الدولة المصرية، وضد فكرة التسوية السلمية للنزاعات والتعاون الإقليمي في الشرق الأوسط.
من الناحية الشكلية، يبدو الأمر داخليا بحتا ويخص التنظيم فقط، وينبغي ألا يثير أي اهتمام، لكن عمليا، وبالنظر في مستجدات وتطورات الخلاف بين جبهتَي "منير" و"حسين" وربطها بحالة التجاهل السياسي للتنظيم واستبعاده من الحوار الوطني في مصر، يتضح أن الأمر أخطر بكثير مما يبدو ظاهريا، حيث إن أبسط تفسير للوثيقة هو أنها محاولة للعودة بطريقة مختلفة، أساسها جيل الشباب المتذمر والمستاء من سوء الأداء، الذي تسببت فيه القيادات التقليدية للتنظيم.
أما عن الفصيل "الجديد" أو ما يسمونه زيفا "تيار التغيير"، فقد تشكل بعد عام 2016.. إثر مصرع القيادي الإرهابي محمد كمال، الذي كان مسؤولا عن الجناح المسلح للجماعة الإرهابية، المكون أساسا من تلك المجموعات الشبابية.. ومع استمرار وتفاقم الخلاف بين جبهتَي "منير" و"حسين"، تطور موقف أولئك الشباب من رفض الخلاف بين المجموعتين الأساسيتين إلى رفض وجودهما أصلا.. ثم اتخذ ذلك الانشقاق الجديد شكلا تنظيميا وصيغة صار يُطلق عليها "الكماليون".
هدفان اثنان يمكن استخلاصهما من وثيقة "تيار التغيير":
الهدف الأول: سعي الفصيل الجديد إلى السيطرة على تنظيم "الإخوان" وإعادة بث الروح فيه بعد معاناة التشتت والانقسام، نتيجة للضربات التي تلقاها من الأمن المصري، والشعب المصري، وكذلك نتيجة الخلافات التي تسيطر على قياداته التقليدية والقفز على خلافات "منير" و"حسين" لتعويض ما خسره التنظيم من سلطة وسمعة.
أما الهدف الثاني فهو إعادة احتكار الحقيقة الكاملة وتجسيد السلطة المطلقة في قادته، بما يعني العودة إلى منطق الإقصاء والقتل لكل من يخالفهم، فالأساس الذي قام عليه "الكماليون"، بخلاف التيارات الإخوانية الأخرى، هو التركيز على الشدة والعنف، من منطلق أن هذا الأسلوب يلقى شعبية لدى شباب "الإخوان"، وهو أصل الفكر الإخواني منذ تأسيسه على يد حسن البنا.
بهذا الفهم سيكون الإعلان الجديد شديد الخطورة، لأنه لن يكون موجها فقط ضد مصر والمصريين، لكنه يستهدف العالم ككل، ففكرهم عابر للحدود أصلا.. فـ"الجماعة" هي مَن صدّرت العنف والإرهاب للعالم وتولدت منها كل التنظيمات الإرهابية والمسلحة في العالمين العربي والإسلامي.. وفعلت كل ذلك مع أنها تزعم السلمية وتتظاهر بأنها "دعوية لا سياسية"، فكيف الحال وقد ظهر بها فصيل جديد بدأ يزحف لأعلى، وربما يتولى القيادة بالفعل بعد أن شاخت القيادة التقليدية بجناحيها المتصارعين؟
إن العقلية الحاكمة في جماعة "الإخوان" الإرهابية والتطورات الجارية داخلها، تؤكد مرة أخرى أن ذلك الورم الخبيث غير قابل للشفاء، ولا يمكن إصلاحه أو حتى تعديله.. فلا حلّ لهذا النبت الشيطاني سوى التصفية الكاملة والقضاء عليه نهائيا، تنظيما وأشخاصا وأفكارا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة