تتنوع ثقافة النفير في المجتمع الإثيوبي، من منطقة لأخرى، ومن قومية لأخرى، بحسب الحَراك الاجتماعي والثقافي والحياتي.
وكلمة "نفير" تعني العمل بصورة مشتركة أو مساعدة الأفراد لبعضهم، ويبرز هذا التعاون خصوصا لدى مجتمع الرعاة والمزارعين، ففي هذه المجتمعات تجد حالة تعاون تتجلّى بصورة كبيرة، إذ لا ينشغل شخص بأداء مهمة أو بناء بيت أو إقامة مناسبة وحده، فالأهالي في المنطقة الواحدة هم أبناء التعاون والمجموع الكلي لا الأداء الفردي.
ففي المجتمعات الريفية يقوم المزارعون بتأدية أغنيات خاصة أثناء عملهم الجماعي، حتى يتسنّى للجميع أن يعطوا أنفسهم جرعة نشاط متبادلة فيما بينهم وهم يكدّون في أعمالهم مع مصاحبة إيقاعات موسيقية وشعر شعبي يرددونه كأنهم مجموعات كورال موسيقي.
ومن بين الأغاني والرقصات، التي يتم تأديتها أثناء النفير، هنالك أغنيات شعبية حماسية تفتخر بفكر التعاون والحماسة، ويغلب عليها أنماط الشعر الشعبي، وتضم كلمات يتم تأديتها بطريقة سريعة، وتتنوع بين المدح للإنسان النشيط وذم آفة الكسل في أي إنسان يحاول التهرب من التعاون مع الآخرين ويبتعد عن مسار النفير العام.
ومن وقت لآخر تستمع بين مجاميع العمال والمزارعين لإيقاع حماسي، ولأصوات أدوات الزراعة، من فؤوس تقطع أو آلات حفْر تقليدية متناسقة الإيقاعات، تُصدر أصواتا تكمل بعضها، مع ترديد أغنيات وأناشيد جماعية تحضُّ على العمل وبذل الجهد.
ثقافة النفير تنتشر بين بلدان أفريقيا وسط المزارعين، الذين يتقاسمون الأدوار من مزرعة إلى أخرى، حتى ينتهي العمل بصورة منسقة، وقد تجد النفير في النظافة، والحصاد، والدفاع عن أي منطقة، حال تعرضها لأي هجوم، فيما يبرز النفير في مناسبات الأفراح والأتراح كثقافة قديمة متوارثة تعنى بمشاركة الجميع أفراح الجميع، بما يعطي صورة كرنفالية لهذه القبلية المكوّنة للمجتمعات الأفريقية.
ويتسم نفير المجتمعات الأفريقية بالاصطفاف في الأغاني والرقصات الجماعية، حيث تؤدي تلك الصفوف حركات منتظمة من الخطوات والقفزات المبهجة، وهنا يبرز النفير كمظهر من مظاهر السعادة، لكنه في الأصل عامل مساعد لأداء المهمة الموكلة لهؤلاء جميعا، سواء في أرض زراعية أو أداء مناسبة ما تخص مجموعة بعينها.
ويكون النفير سمة تساعد العائلات ذات الأعداد القليلة لأنها تستعين -عبر هذا الطقس أو المبدأ- بآخرين يزيدونهم عددا وقوة وبأسا، علاوة على ميزة اقتصادية بتوفيرهم أجر عمالة، كان من الضروري جلبها لأداء مهام زراعية شاقة.
على جانب آخر تتفرغ نساء القبائل لصنع نفير متعلق بإعداد الطعام لمجموعات العاملين، فيما يقُدن الاحتفالات الاجتماعية -النفير الاجتماعي- المتعلق بطقوس الأفراح وغيرها.. وقد انتشرت ثقافة النفير عموما، واستعارتها مجتمعات أخرى خارج أفريقيا، كعلامة على التعاون الجمعي لاختصار الجهد والمسافات والنفقات.. فضلا عن أنها تُشعر الإنسان بأنه ليس وحده في العالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة