في لحظات صفاء قليلة تتخلل حياة كل شخص وسط دوامات متلاطمة، يسأل البعض نفسه سؤالا محيرا: ماذا أنجزت في سنوات عمري التي مضت؟
وغالبا ما تكون الإجابة عن هذا السؤال غير واضحة المعالم عند الغالبية العظمى من البشر.
كل منا لديه 24 ساعة يوميا، يقضيها بين النوم والعمل وأنشطة أخرى، ولكن هل حاول أي من الأشخاص الذين يهدرون الكثير من أعمارهم أن يعرفوا مقدار ما يستغرقونه من وقت في ممارسة هذه الأنشطة؟
الإجابة بالطبع ستكون بوضوح "لا"، رغم أن هناك الكثير من أعمارنا مهدرة دون فائدة.
إذًا كيف يُهدر الإنسان عمره دون سبب؟
بحسب العديد من الدراسات، فإن وقت الفراغ الزائد هو عمر مُهدر، والإفراط في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي هو عمر مُهدر، والوظيفة التي لا تناسب قدرات الفرد ومهاراته وطموحاته هي عمر مُهدر، والمهام غير المفيدة في العمل هي عمر مُهدر، والوقت الذي يُقضَى في تعلُّم مهارة لا تعود على صاحبها بالنفع هو عمر مُهدر، وإهدار الوقت في أمر غير مُجْدٍ هو عمر مُهدر.
لكن حتى لا تُهدر الكثير من الوقت فيما تبقى من العمر، يجب أن تعرف هذه الأرقام المثيرة عن كيفية إهدار الفرد سنوات العمر، والعوامل والسلوكيات التي تؤثر في سنوات العمر المتوقع للإنسان، وكيفية تجنب إضاعة العمر، والتي كشفت عنها دراسة حديثة لمؤسسة ONEPOLL في المملكة المتحدة.
وأول هذه الأرقام المثيرة أن الشخص العادي يفقد سنويا من عمره نحو الشهر، حيث لا يقوم خلاله بأي نشاط على الإطلاق، كما أن الفرد ينام ثلث حياته، ومع افتراض أن شخصا سيعيش نحو 75 عاما فهذا يعني أن نحو 26 عاما منها مخصصة للنوم، والأمر الأكثر إثارة أيضا أن الشخص يقضي أيضا نحو 7 سنوات من عمره يحاول النوم، ما يعني أن هذا الشخص يقضي 33 عاما من عمره في أنشطة تتعلق بالنوم.
ماذا عن باقي عُمر هذا الشخص؟
بحسب الدراسة، فإن فترة 13 عاما وشهرين يقضيها هذا الشخص في العمل مدفوع الأجر، مع افتراض أنه لا يعاني من البطالة المنتعشة حاليا في العالم، فضلا عن 8 سنوات وأربعة أشهر أمام التلفاز، و8.74 سنة على الهواتف الذكية، و6 سنوات و8 أشهر يقضيها في متابعة وسائل التواصل الاجتماعي، و4 سنوات ونصف السنة لتناول الأطعمة، ولتناول الأطعمة يحتاج إلى عامين وشهرين، وفيما يخص النساء يقضين عامًا ونصف العام في تنظيف المنزل.
المفارقة أن الشخص في المتوسط يقضي نحو 1.3 سنة من حياته في ممارسة الرياضة، ما يعني أنه يقضي أكثر من 6 أضعاف هذا الوقت في مشاهدة التلفاز، وأكثر من ضعفه على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويبدو أن التطور الذي يشهده العالم لحظيا، من تضخم للعولمة وانفتاح الثقافات والتطور التكنولوجي الهائل، كان له تأثير سلبي في عُمر الإنسان، حيث زادت معه الممارسات غير المُجدية التي يقضي فيها الشخص يومه بشكل دائم، والتي تعد مصدرا رئيسيا لإضاعة الوقت/العمر.
والغريب أن ظاهرة الطوابير، التي انتشرت مؤخرا في العديد من البلدان مع زيادة الأزمات الاقتصادية، هي الأخرى لها نصيب من عُمر الإنسان، فحسب الدراسة يقضي الفرد نحو 6 أشهر من حياته في انتظار الحصول على الخدمات في طوابير، منها 43 يوما في انتظار خدمة العملاء الآلية وماكينات ATM.
بالطبع هناك اختلاف بين الدول في قضاء سكانها لأعمارهم، مثلا بالنسبة لوقت العمل، فالمواطن الصيني يقضي يوميا نحو 5.15 ساعة يوميا في العمل، بينما الإيطالي يقضي نحو ساعتين ونصف الساعة في العمل يوميا، ما يعني أن الإيطاليين لديهم وقت فراغ أطول لقضائه في أنشطة أخرى.
وبالنسبة للتعلم، فالمواطن الصيني يقضي وقتا أقل في التعلم، مقارنة بمواطني دول أخرى مثل كندا وكوريا الجنوبية والمكسيك.
ماذا عن العوامل والسلوكيات المؤثرة في العمر؟
ما يقرب من 20% إلى 30% من عُمر الفرد يرتبط بالوراثة، بينما أكثر من ثلثي عُمر الفرد يرتبط بالسلوكيات الفردية والعوامل البيئية التي يمكن تعديلها من جانبه والبلد الذي يعيش فيه.
وأبرز العوامل التي تؤثر في متوسط العُمر المتوقع للفرد، بحسب الدراسات، هي: العوامل الوراثية، والجنس، والنظام الغذائي والتغذية، والحصول على الرعاية الصحية، ونمط الحياة، والنظافة، والتمارين الرياضية، ومعدلات الجريمة.
ورغم أن تحسن الوضع الاقتصادي والتحسن في الظروف البيئية أسهما في زيادة مستمرة بمتوسط العُمر المتوقع للأفراد خلال القرن الماضي وحتى الآن، فإنه سيظل هناك عاملان رئيسيان يؤثران في طول العمر، وهما: الوراثة وخيارات نمط الحياة، إضافة إلى فرص العمل والتعليم والبيئة المحلية.
"إن الحياة أصلا قصيرة، لكننا نجعلها أقصر بإضاعة الوقت بسبب الإهمال".. هكذا لخّص الأديب الفرنسي فيكتور هوجو حالة مئات الملايين من البشر حاليا منذ القرن التاسع عشر.
إذًا، ماذا علينا أن نفعل للتوقف عن إضاعة الوقت في الأنشطة التي لا تضيف قيمة حقيقية إلى حياتنا أو تقربنا ولو خطوة واحدة من تحقيق أهدافنا؟
في البداية عليك أن تعيد تقييم أنشطتك اليومية الروتينية في محاولة لتقليص كثير من الوقت، الذي تقضيه في أشياء غير مفيدة، ومنها الألعاب الإلكترونية ومشاهدة التلفاز، أما إذا كنت كثير الشكوى والتذمر، فعليك تجنبها قدر الإمكان، لأن الطاقة السلبية تهدر كثيرًا من العمر دون جدوى أو نتائج ملموسة، والأفضل أن تركز على المشاعر والأفكار الإيجابية وتنميتها.
أيضا إذا كنت لا تضيف مهارات جديدة يوميا إلى مهاراتك، فبالتأكيد أنت تخسر جزءا مما تمتلكه بالفعل، وبالتالي عليك أن تستمر في تطوير مهاراتك حتى لا تكون شبيها بـ"المستنقع الراكد".
عليك أن تتخلص من إدمان الهاتف المحمول، فرغم أنه وسيلة مهمة للتواصل مع الآخرين، فقد تحوَّل إلى مرض عند بعضنا، لدرجة أنه يهدر كثيرا من الوقت الثمين، الذي يمكن أن يستمتع به مع الأسرة والأصدقاء، أو حتى في التخطيط للمستقبل.
ورغم أهمية الاستمتاع بما تقضيه من وقت حاليا، فأنت بحاجة إلى التخطيط للمستقبل عبر أهداف واضحة وخطوات قابلة للتنفيذ، حتى ترى مكانك بوضوح بعد سنوات، وإلا ستكون كقارب يتجول بلا هدف في محيط، على أمل أن يرسو على شاطئ ربما يكون جيدا، وبالتالي فإنك تحتاج إلى خلق نظام داخلي خاص بك على غرار نظام تحديد المواقع العالمي GPS لإرشادك نحو المستقبل دون إهدار مزيد من العمر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة