الإرهاب والسرطان لا يختلفان عن بعضهما كثيرا، لذلك وجب الاستفادة من طرق مكافحة السرطان للتعامل مع الإرهاب.
يشهد عصرنا مجموعة من الأخطار العابرة، والأخرى المزمنة.
وتتمثل الأخطار العابرة في الحروب والمواجهات الميدانية والاقتتال، وأحيانا الإبادة الجماعية، وهي أخطار حقيقية وتحدث تغيرات جذرية في الدول والشعوب على اختلافها.
لكن مهما بلغت هذه المخاطر فالجانب الإيجابي منها إذا صح التعبير هو إمكانية تجاوزها بعد مراحل المواجهة، وسيطرة المجتمع الدولي عبر محكمة الجنايات الدولية؛ أو الأمم المتحدة بمختلف أجهزتها بما في ذلك مجلس الأمن على محاسبة المسؤولين، وإيقاف تمدد الضرر وإنهاء مرحلة زمنية وإن طالت.
المخاطر الحقيقية المرعبة هي في المسائل المزمنة التي يشهدها العالم، وأهمها الإرهاب، وهو تسمية اختلف تفسيرها حسب المتلقّي وثقافته وأصوله، وتتسبب في كل العالم في حالة من أقصى حالات الخوف والرعب.
نطالب النّخبة بالانتفاض الفوري من أجل وضع الاستراتيجيات، كل في مجاله وبفكر جماعي ينتهي لمصلحة الجميع من أجل استئصال الشر والعودة لجذور مجتمعاتنا الطيّبة وحقيقة الديانات التي تقوم على الخير والتسامح والتعاون
لكنها حديثا تحولت إلى مصطلح يعني الأعمال الإرهابية التي يقوم بها متشددون ومتطرفون دينيا في مختلف أنحاء العالم.
وللأسف تم ربطها بالدين الإسلامي لأن أكبر الاعتداءات الإرهابية التي شهدتها مختلف دول العالم حديثا، وأهمها أحداث ١١ سبتمبر أيلول ٢٠٠١ كانت بدوافع متشددين دينيين مسلمين، يرفضون الآخر وقرروا شنّ الحرب على كل من يخالف أيدولوجياتهم.
والفرق كبير بين الدين الحقيقي الذي يحثّ على السلم وتقبل الآخر، والأيديولوجيات المتطرفة التي ترفض كل من خالفها الرأي.
ومن أهم الأيديولوجيات السلبية التي أضرت بعالمنا الحديث هي وجود ما يسمى بـ"الفكر الإخواني"، لفظة في معناها خير لكن باطنها لا يحمل غير الشر والإقصاء لمن يعارض "الإخوان المسلمين" الذين يعتقدون أنهم من يمثلون الله على الأرض، ثم الجماعات المقاتلة الذين يعتقدون أنهم "مجاهدون"، ثم لحق بهذا كله تنظيم "داعش" الذي فتك ببلدان المنطقة العربية خاصة سوريا والعراق وليبيا، واستقطب شبابا من أكثر الدول انفتاحا مثل تونس ودول غربية أوروبية، كان ومازال مثل الوباء والخطر المزمن ومازلت الظواهر الغريبة عن الدين في تمدّد.
وكلمة مزمن هي التي دفعتني للتفكير في أكبر المخاطر المزمنة في العالم، وتوصلت إلى أنّ الأكثر خطورة هي الأمراض المزمنة، وعلى رأس القائمة مرض السّرطان، وحاولت النظر في كيفية تعامل الدول معه متمنية أن توصلني مقارنة الأساليب إلى حل ممكن.
بدأت "الحرب" السياسية على السرطان مع القانون الوطني للسرطان لعام 1971. وكان الهدف من القانون "تعديل قانون خدمات الصحة العامة"، واستثمرت الولايات المتحدة الأميركية منذ عام١٩٧١ أكثر من ٢٠٠ مليار دولار على أبحاث السرطان، وهذا يشمل مجموع الأموال المستثمرة من قبل القطاعين العام والخاص.
وعلى رغم من هذا الاستثمار الكبير، شهدت البلاد انخفاضاً ٥% فقط من معدل الوفيات الناجمة عن السرطان بين عامي ١٩٥٠ و٢٠٠٥.
وهنا تحدثنا عن الولايات المتحدة الأميركية كمثال فقط، والحقيقة أن بريطانيا وكل الدول الأوروبية، وبقية دول العالم تعاني من هذا الخطر الذي لم تجد حلا جذريا له.
وقد بدأ التعامل السياسي مع السّرطان من أميركا لينتقل لبقية دول العالم، كما هو الشأن بالنسبة للإرهاب الذي بدأ مع أحداث سبتمبر وانتشر حول دول العالم.
حصيلة التفكير أوصلتني إلى أن الإرهاب والسرطان لا يختلفان عن بعضهما كثيرا، لذلك وجب الاستفادة من طرق مكافحة السرطان للتعامل مع الإرهاب.
ويُستوجب اتباع نفس الخطوات في مكافحة الأمراض والمخاطر المزمنة، والتي من المفترض أن لا تقتصر على المواجهات القتالية العنيفة، فهي مرحلة تعادل العمليات الحاسمة في المراحل الأخيرة للسّرطان بعد أن يكون فتك بضحيته.
كما أن الجهات السّياسية والحكومات ليست وحدها مسؤولة عن إيقاف هذا الخطر، بل نحتاج إلى مؤسسات غير حكومية وجمعيات خيرية، و في مسألة الإرهاب تحديدا دور الإعلام والتعليم هو الأهم والحاسم.
وهذا ما نطمح لرؤيته عبر جهود مختلف الأطراف التي تعمل تحت مظلة القوى الناعمة.
فالسّلاح والقوى العسكرية على الأرض دورها فقط كبح جماح المقاتلين المتمردين الذين لا يريدون التراجع.
أما الأدوار الرئيسية والتي ستكون مفيدة بالتّأكيد هي التي تعمل باستراتيجيات واضحة لوقف التدفق الأيديولوجي المضلل على المدى الطويل؛ والقضاء عليه كليا ليستعيد العالم توازنه.
ومن أهمها العمل على توعية كل الفئات والأسر داخل المجتمعات بالأخطار الحقيقية واستهداف كل الطبقات والأعمار لخلق حالة من الاستنفار الجماعي الواعي بخطر الأيديولوجيات والمؤثرين، تفاديا لأخطار أكبر ومن أجل الحماية والوقاية على المدى المتوسط والبعيد.
وهنا نطالب النّخبة بالانتفاض الفوري من أجل وضع الاستراتيجيات، كل في مجاله وبفكر جماعي ينتهي لمصلحة الجميع من أجل استئصال الشر والعودة لجذور مجتمعاتنا الطيّبة وحقيقة الديانات التي تقوم على الخير والتسامح والتعاون.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة