شكرا للأزهر الشريف وشكرا للكنيسة القبطية الوطنية، وشكرا لسماحة ورجاحة العقل المصري الذي يرفض التطرف والغلو والتعصب
لا أعتقد أن الهجوم الغادر على أتوبيس الأقباط المصريين، العائدين من زيارة دير الأنبا صمويل، كان يضع ضمن أهدافه الوقيعة بين أقباط مصر ومسلميها، لأن الجناة المجرمين باتوا على يقين من أن هذا الهدف أصبح مستحيل التحقق، وأن العلاقات بين أقباط مصر ومُسلميها جاوزت أن تكون علاقات بين شقيقين من الشعب المصري يقتسمان حقوق المواطنة المصرية، وأصبحت علاقات أخوة وطنية، ويُشكلان عائلة مصرية واحدة، وهذا بالضبط ما يقصده البابا تواضروس وهو يؤكد أن الجريمة الغادرة استهدفت مصر كلها، وهو أيضا ما قصده الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، عندما أعلن أن المصاب مصاب الأسرة المصرية كلها، لأن العلاقات بين أقباط مصر ومُسلميها تستعصي الآن على أي محاولات تستهدف تخريبها، بعد أن تيقن الجميع عبر تجارب مرة عديدة أنها نسيج وطني واحد يستعصي على التفرقة.
الأخطر من هزيمة الإرهاب الميدانية هزيمته الفكرية تحت ضغوط قوة مصر الناعمة، وفي مقدمتها الأزهر الشريف والكنيسة القبطية الوطنية، وكتائب المثقفين والكتاب والفنانين والمسرحيين الذين نجحوا في فضح أفكار الإرهاب وكشف أوجه تناقضها وإفلاسها، كما استطاعوا اجتثاث جذوره الشعبية ليصبح مكروها معزولا.
شكرا للأزهر الشريف وشكرا للكنيسة القبطية الوطنية، وشكرا لسماحة ورجاحة العقل المصري الذي يرفض التطرف والغلو والتعصب، ويؤمن إيمانا عميقا بأن الدين لله والوطن للجميع، وأن عناق مسلمي مصر ومسيحييها الذي عشنا صورته الكبرى في ساحة الأزهر الشريف، إبان ثورة 1919 التي جمعت مصر كلها على قلب رجل واحد، سوف يبقى أبدا يصون وحدة مصر الوطنية.
ومن المؤكد أيضا أن الهدف الأول للجناة من ارتكاب جريمتهم هو اختطاف عناوين الصحف الغربية في مناسبة افتتاح منتدى شباب العالم في شرم الشيخ والتشهير الكاذب بهشاشة استقرار مصر، وإفساد فرحة المصريين بانعقاد المؤتمر في هذه المدينة الجميلة التي سوف تعود، بإذن الله قريبا، لتصبح كما كانت أهم مقاصد العالم السياحية وأجملها.
وحسنا، وألف «براوة» على المصريين الذين واصلوا احتفالاتهم في شرم الشيخ وكأن شيئا لم يحدث، ورُبَّ ضارة نافعة، لأن شباب العالم الذي تجمع في شرم الشيخ في مدينة آمنة رأى بعينه كيف يندحر وينتحر الإرهاب في مصر الآن، ويذهب بعيدا إلى أقصى الجنوب في مكان جدٌّ مُنعزل، ليسمع العالم صوته الواهن من دير الأنبا صمويل على مسافة أكثر من 500 كيلو متر من شرم الشيخ لمجرد أن يثبت أنه لا يزال موجودا، لكنه وجود كالعدم، وجود شاذ وجبان، وجود حان واقترب موعد اقتلاعه.
وما يعرفه المصريون، على وجه اليقين، أن جريمة دير الأنبا صمويل هي نوع من ردود الأفعال البائسة واليائسة على الهزائم التي تلاحق جماعات الإرهاب في مصر على المستوى الميداني، حيث تم تدمير البنية الأساسية لجماعات الإرهاب في سيناء وإخلاؤها من أوكار ومخازن وملاجئ وملاذات وكهوف وسط الجبال، كما جرى تصفية أكثر من 90% من كوادره القتالية في داخل سيناء وخارجها، آخرهم زعيمهم هشام عشماوي المطلوب الأول في مصر، الذي ضبطه الجيش الوطني الليبي في مدينة درنة المنيعة التي كانت تسيطر عليها جماعة الإخوان، وسقطت أخيرا بعد أن حاصرها الجيش الوطني الليبي لعدة أشهر قبل أن يتمكن من اقتحامها قبل أسابيع محدودة، ليجد هشام عشماوي بين فلول المحاصرين، كما نجح المصريون في قطع معظم خطوط إمدادات هذه الجماعات التي كانت تأتى بحرا عبر ساحل المتوسط الشمالي أو تأتي عن طريق الظهير الصحراوي من خلال حدود مصر البرية غربا، والأخطر من هزيمة الإرهاب الميدانية هزيمته الفكرية تحت ضغوط قوة مصر الناعمة، وفي مقدمتها الأزهر الشريف والكنيسة القبطية الوطنية، وكتائب المثقفين والكتاب والفنانين والمسرحيين الذين نجحوا في فضح أفكار الإرهاب وكشف أوجه تناقضها وإفلاسها، كما استطاعوا اجتثاث جذوره الشعبية ليصبح مكروها معزولا.
ومن المؤكد أخيرا أن النُصُب التذكاري، الذي افتتحه الرئيس عبدالفتاح السيسي، في شرم الشيخ لضحايا الإرهاب في حضور شباب العالم وبينهم ضحايا عديدون لداعش، أبرزهم الفتاة العراقية اليزيدية التي مارسوا معها صورا من العدوان الوحشي باعتبارها واحدة من سبايا داعش، جعلتها تكرس نفسها حربا على هذه الجماعات، تطوف العالم تفضح جرائمهم القذرة، وها هو النصب التذكاري يصبح رمزا لهزيمة الإرهاب الذي سوف ينكسر على صخرة الإرادة المصرية، لأنه لم يحدث في تاريخ الأمم أن خرجت تظاهرة إنسانية قوامها 30 مليون مصري تطالب باجتثاث الإرهاب كما حدث في مصر يوم 30يونيو، وقد علمنا التاريخ أن الشعب إذا أراد شيئا فلا بد أن يستجيب القدر.
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة