تلتقي الإمارات بصورة عميقة مع روسيا في وحدة الهدف والتوجه، وتاريخها يؤكد أنها في مقدمة دول الخليج العربي وكذا الشرق الأوسط.
اختتمت الأيام القليلة الماضية أعمال الاجتماع الدوري لمجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا والعالم الإسلامي" في جمهورية داغستان، والتي تجمع العالم العربي والإسلامي وفي القلب منه دولة الإمارات العربية المتحدة مع جمهورية روسيا الاتحادية، ودارت النقاشات حول الإرهاب والتطرف، بوصفهما صنوان لا ينفصلان عن بعضهما البعض، خاصة في ظل المآسي التي عرفها العالم مؤخرا.
من أفضل الأفكار التي خرجت عن الاجتماع الدوري لمجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا والعالم الإسلامي" فكرة إنشاء مدرسة مشتركة روسية إسلامية لمحاربة الإرهاب والتطرفالحديث عن الإرهاب بادئ ذي بدء مسألة مطولة ومركبة ولا نغالي إن قلنا إنها معقدة، فعلى سبيل المثال لم تخلص الأمم المتحدة حتى الساعة إلى تعبير شاف واف للإرهاب، وأغلب الظن أن هذا القصور مرده مصالح دول قطبية كبرى كثيرا ما تعزف على أوتار الإرهاب، ولا نغالي إن قلنا إنها تدعمه وتزخمه لتحقيق مصالحها، وما جرى ويجري في المنطقة العربية منذ ثماني سنوات تقريبا وحتى الساعة ليس إلا ضربا من ضروب التلاعب على أوتار جماعات الإرهاب الأعمى، وكأن الدول التي ترعاه لا تتعلم من دروس التاريخ أو أحاجي الإنسان.
غير أن روسيا وبنوع خاص أثبتت وبخلاف الكثير جدا من الأطراف الدولية نية صادقة في محاربة الإرهاب فعلا وقولا، بل إن تحركاتها الاستراتيجية حول العالم واستخدامها القوة المسلحة في مواقع ومواضع حول العالم أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أنها أخذت قرارا حاسما حازما في مواجهة طاعون القرن العشرين.
تلتقي الإمارات العربية المتحدة بصورة عميقة مع روسيا الاتحادية في وحدة الهدف والتوجه، وتاريخها القريب والبعيد يؤكدان أنها كانت ولا تزال في مقدمة دول الخليج العربي وكذا الشرق الأوسط التي استطاعت وبجدارة التصدي للمشروعات التي تدثرت في عباءة الإسلام، ونقصد بذلك جماعات الإسلام السياسي بنوع خاص، والتي فشلت في الاقتراب من الحدود الآمنة للإمارات بسبب وعي شعبها ويقظة وحنكة القائمين على شؤون الدولة.
لن نهول من الأمر إن قلنا كذلك أن الإمارات لعبت دورا رياديا في المنطقة العربية، حين دعمت الدول التي انتصرت على فخ السقوط في بئر خيانة تلك الجماعات، كما حدث مع مصر الكنانة، وهو ما يشهد به المصريون اليوم وغدا، إقرارا وعرفانا بجميل الإمارات شعبا وقيادة.
لعل أفضل من وصف مشهد ما جرى في العالم الإسلامي في السنوات الأخيرة وربما العقود الماضية هو الدكتور علي النعيمي رئيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، الذي اعتبر خلال مداخلاته المتعددة طوال أيام المؤتمر أن أكبر خطر يهدد العالم في حاضرات أيامنا هو الإرهاب، وإن الإسلام تم اختطافه، وعلى المسلمين استرجاعه وإبرازه كدين سلام ومحبة.
فيما السؤال الذي لا يزال مطروحا على مائدة البحث والنقاش.. كيف يمكن مجابهة الإرهاب دون أن يعني ذلك عداء لدين بعينه، لا سيما أن هناك من جعل الإسلام مرادفا للإرهاب، وبات المسلم في المجتمعات الأوروبية إرهابيا أو مشروعا إرهابيا في أحسن الأحوال؟".
يؤكد الدكتور النعيمي أنه يجب استخدام أدوات جديدة تتعامل مع التحديات المعاصرة الحاضرة وكذلك الآفاق المستقبلية، وفي المقدمة منها تمكين الشباب وتفعيل دور المرأة، عطفا على ضرورة ترسيخ قيم التسامح والعيش المشترك داخل الشباب.
مثير جدا شأن العولمة، ووجه الإثارة أن الجميع شرقا وغربا خيل إليه أنها ستفرز قرية كونية صغيرة كما قال عالم الاجتماع الكندي الأشهر "مارشال ماكلوهان" في ستينيات القرن الماضي، والقرية الصغيرة عادة ما يلتئم شملها على قلب رجل واحد، فلا تعرف التمييز أو التفريق على أسس دينية أو عرقية، ومن هنا يكاد العنف أن ينعدم فيها.
لكن حساب الحصاد جاء مخالفا لحساب الحقل، وها هو العنف يلف المجتمعات الأوروبية والأمريكية بشكل مخيف للغاية، وعليه يبقى بالفعل ما قاله الدكتور النعيمي هو القضية وهو الحل، أي أن العولمة التي يجب على العالم أن ينشدها هي بناء فرد يحترم الآخر، ويقدر العيش المشترك، ويحترم خصوصية الآخر، ويبقى السؤال كيف؟
تدعونا رؤى الدكتور النعيمي إلى تفكير عميق في عدة نقاط، في المقدمة منها العملية التعليمية، تلك التي تغرس في النشء أسس ومنطلقات التعايش مع الآخر وقبوله، أو النظر إليه على أنه العدو الكافر الذي يتوجب الخلاص منه كما تذهب إليه رايات التطرف وصيحات المتطرفين، وعليه فإنه دون مراجعة جذرية للمناهج التعليمية كافة التي تقدم في عالمنا العربي، وتنقيحها وتجديدها بصورة وفاقية لا فراقية سوف يضحى أي حديث وكل حديث عن محاربة الإرهاب عبث وحرث في الماء.
لا ينفصل التعليم عن الإعلام، وهنا نحن أمام قضية الخطاب الديني والترويج له، وهي قضية تكاد تكون قتلت بحثا من كثرة ما تردد حولها، والقلة القليلة فقط في عالمنا العربي هي التي قدر لها القيام بمراجعات عاجلة وجذرية تتجاوز المنحنيات الزلقة التي تؤدي إلى مزيد من التدهور لا يصب إلا في خانة الإرهابيين وجماعات التشدد الفكري والإيديولوجي.
لماذا الإمارات تحديدا مرشحة كنموذج خلاق لمحاربة الإرهاب؟
هنا يمكننا الرجوع في الجواب إلى ما أشار إليه "بنيامين بوبوف" منسق مجموعة الرؤية الاستراتيجية، حين أشار إلى أن "الشعب الإماراتي يعمل كثيرا، وله أفكار إبداعية مستقبلية جيدة، ويشجع المبادرات والإبداعات الثقافية، ودولة الإمارات أطلقت مؤخرا القمر الصناعي خليفة سات، وتستعد لإرسال رواد فضاء"، ماذا يعني ذلك الحديث؟
"الترجمة السوسيولوجية" إن جاز التعبير تفيد بأن هناك نجاحات حقيقية على أرض الإمارات اتسقت فيها الأقوال مع الأفعال، فلم يعد الحديث عن محاربة الإرهاب حديثا أجوف بعيدا عن مسألة العطالة والبطالة على سبيل المثال، فالإمارات بوصفها معينا للتجارب الاقتصادية الناجحة استطاعت أن تقدم فرص عمل جيدة جعلت الاهتمام بالحياة وتحسين مستوى المعيشة نوعا من أنواع الجهاد الشرعي، ولم يعد الشهيد فقط من يقدم على تفخيخ نفسه؛ ذلك أن من مات دون بطنه فهو شهيد حسب الحديث النبوي الشريف.
الإمارات أدركت منذ وقت بعيد أهمية المعلم ومكانته، وحيثية العملية التعليمية وخطورتها، ولم توفر بينهما الإعلام وأدواته العصرانية المختلفة، وحال وجدت قيادة حكيمة بسطت أجنحة من الوسطية والتسامح الخلاق كان من الطبيعي أن يضحى نموذجها رائداً في معركة طالت، ويمكن أن تطول في العقود القادمة.
من أفضل الأفكار التي خرجت عن الاجتماع الدوري لمجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا والعالم الإسلامي" فكرة إنشاء مدرسة مشتركة روسية إسلامية لمحاربة الإرهاب والتطرف، وبكل تأكيد وتحديدا تبقى الإمارات مرشحة للقيادة والريادة في هذا الإطار.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة