الإرهاب في مالي بين تجاذبات روسيا والغرب.. موت "متعدد الأقطاب"
بعد انتهاء مهام عملية برخان في مالي، ورحيل القوات الفرنسية، دخل البلد الأفريقي في موجة إرهاب تحرق محاولاته التقاط الأنفاس.
واعتبر خبراء دوليون، أن تصاعد الهجمات ضد الجيش المالي، خلال الفترة الأخيرة، يشكل تحديا كبيرا لهذا البلد، إذ تنشط العديد من الجماعات المسلحة على خلفية تزايد انعدام الأمن.
وبحسب ما نقلته إذاعة فرنسا عن المراقبين الدوليين، فإن تولي العقيد أسيمي جويتا قيادة البلاد "تسبب في إعادة ظهور الإرهابيين والمنظمات الإجرامية ومجموعات الدفاع الذاتي الأخرى المنتشرة في مالي".
ومن بين تلك الجماعات الإرهابية، مجموعة دعم الإسلام والمسلمين (فرع "داعش")، وهي أحد أكبر منظمتين إرهابيتين في مالي، والتي شنت حوالي 15 هجوما ضد الجيش في نهاية يوليو/ تموز الماضي، بما في ذلك هجوم على مخيم كاتي العسكري غير البعيد عن العاصمة باماكو.
ويرى الخبراء أن هجوم مخيم كاتي العسكري ينذر الجميع بأخذ تهديدات التنظيم الإرهابي على محمل الجد بعد أن توعدوا بضرب العاصمة المالية.
إخفاقات مدوية
وفيما يتعلق بإعادة تشكيل السياق الأمني في مالي برحيل آخر الجنود الفرنسيين، قال بوبكر حيدرة الباحث في "مخبر أفريقيا في عالم العلوم السياسية ببوردو" لإذاعة فرنسا: "إن التغيير الرئيسي في الوضع الأمني في مالي لا يكمن في الانسحاب الفرنسي، ولكن منذ بداية وصول الروس".
وأضاف حيدرة: "منذ وصول الروس رأينا تغييرا في النهج والاستراتيجية والعقيدة العسكرية على الميدان في مالي"، لافتا إلى "الإخفاقات المدوية للدولة وعواقبها على حياة المدنيين".
من جانبه، قال نياجالي باجايوكو، رئيس شبكة قطاع الأمن الأفريقي لإذاعة فرنسا إن "النظام في مالي يثبت أنه أكثر سلطوية ويقوض الحريات، ولا سيما حرية التعبير".
تعدد الأقطاب
في المقابل، وصف المحلل السياسي الروسي ميخائيل جاماندي إيجوروف لوكالة أنباء "أوبزرفاتور كونتيننتال"، الوضع الحالي في مالي بأنه "يروج للعالم متعدد الأقطاب والعلاقات بين أفريقيا وروسيا".
وأعرب إيجوروف عن قناعته بأنه "حتى بعد الانسحاب الكامل للوحدة العسكرية الفرنسية من مالي، فإن القوة الاستعمارية السابقة والأنظمة الغربية الأخرى ليس لديها نية لتخفيف الضغط على هذا البلد الأفريقي"، مضيفاً: "أن البلد أصبح مثالا آخر على توجه قومي أفريقي يؤيد تعددية الأقطاب".
كما ذكر المحلل الروسي أن انسحاب برخان جاء "في وقت تصاعدت فيه المشاعر المعادية للغرب بشكل غير مسبوق" في البلدان الأفريقية، وأيد غالبية الماليين رحيل الجنود الفرنسيين من بلدهم، موضحا أن السلطات المالية قدمت شكوى ضد فرنسا لدى الأمم المتحدة.
اتهام لفرنسا
وما بين هذا وذاك، اتهم وزير الخارجية المالي عبدالله ديوب، باريس، بدعم الإرهابيين في بلاده، قائلاً:"لدى مالي عدة أدلة على أن فرنسا استخدمت الانتهاكات الصارخة للمجال الجوي المالي لجمع معلومات استخبارية لصالح الجماعات الإرهابية العاملة في منطقة الساحل، وكذلك بهدف إسقاط الأسلحة والذخيرة".
وعاد المحلل السياسي الروسي ميخائيل جاماندي إيجوروف للحديث عن أن فرنسا والغرب سيواصلان محاولاتهما لزعزعة استقرار مالي في المستقبل القريب.
وقال: "سيحدث هذا على الرغم من حقيقة أن البعثات الخارجية لما يسمى بمكافحة التهديد الإرهابي، أثبتت فشلها الصارخ، وحتى على الرغم من الدعم المطلق من الماليين للسلطاتهم".
ودعا إيجوروف، مالي لاتباع سيناريو جمهورية أفريقيا الوسطى، عبر مكافحة الإرهاب بشكل فعال وحازم، والمحافظة على التوجه الأفريقي لسياستها وتقوية التحالفات مع المدافعين الرئيسيين عن المحور الدولي متعدد الأقطاب.
ورأى إيجوروف أنه لم تعد هناك حاجة عمليًا لإثبات أن الغرب مرتبط بالإرهاب، مستنكرا دعم الإرهابيين في سوريا أو الجماعات المسلحة في جمهورية أفريقيا الوسطى.
ولفت إلى أنه يمكن تفسير هذه المحاولات لزعزعة الاستقرار بأنه "استعمار جديد" يكشف رغبة الغرب في الحفاظ على عالم أحادي القطب.
لكن المحلل السياسي الروسي عبر أيضا، عن قناعته بأن الماليين والشعوب الأفريقية الأخرى مستعدة لمواجهة هذا التحدي.