الشراكات الاستراتيجية مع دول الغرب غير مضمونة وخاضعة لمزاجية الأحزاب التي تدول السلطة فيها، لذا وجب تقييد العقود معها بشروط مُحكمة.
حفل الأسبوع المنقضي بعدة أحداث أشعلت الشارع الإسباني، تحديات متوالية تعصف بالحكومة الاشتراكية التي يرأسها بيدرو سانشيز، بيدرو الذي وصل إلى سدة الحكم في حادثة نادرة، فالحزب الاشتراكي الذي يترأسه PSOE لم يفز بالانتخابات ولكنه عمل على حجب ثقة البرلمان عن رئيس الوزراء السابق ماريانو راخوي رئيس الحزب الشعبي PP، المنتمي إلى اليمين المعتدل، بعد تراكم فضائح الفساد في الحكومة السابقة.
تمكنت المملكة، وبكل هدوء، من إنهاء التوتر بالطرق الدبلوماسية من خلال ما تملكه من استثمارات هائلة في إسبانيا، وما تربطها بها من عقود ضخمة كعقد شبكة القطارات والاستثمارات الثنائية والسياحية، فالمملكة اليوم لا تقف وحيدة فهي وحلفاؤها يشكلون مركز ثِقل عالميا ومؤثرا
تفاءل الشارع الإسباني بالتغيير، وتحمس بالفريق الوزاري الذي اختاره بيدرو سانشيز، فقد عمد إلى اختيار ١١ وزارة للنساء و٦ وزارات فقط للرجال، كما أسند حقائب وزارية لأرفع العلماء والباحثين في مملكة إسبانيا، وتصدرت خطاباته التطلع إلى تشكيل مجتمع إسباني حديث مرتبط بالاتحاد الأوروبي، وما يملكه من مواصفات شخصية كالكاريزما التي يتمتع بها ودرجة عالية من الثقافة والحضور الإعلامي، التي جعلت منه أول رئيس إسباني يتقن اللغة الإنجليزية.
توالت الأحداث التي هزت هذه الحكومة، وبدأ الانقسام في الشارع الإسباني على قضايا كإضراب سائقي سيارات الأجرة، ومن ثم أزمة نقل رفات الديكتاتور السابق فرانكو، وارتفاع صوت الانفصاليين مرة أخرى، وحتى التوتر الأخير مع المملكة العربية السعودية الذي من خلاله تبين سوء إدارة الحكومة الإسبانية لعلاقاتها الدولية، وبدأ ذلك مع إعلان وزارة الدفاع الإسبانية إيقاف صفقة توريد ٤٠٠ قنبلة موجهة بالليزر للمملكة العربية السعودية، قيمتها ٩ ملايين يورو، خضعت حكومة إسبانيا لضغوطات وحملات المنظمات غير الحكومية التي عملت على تشويه صورة التحالف العربي في الأزمة اليمنية.
وسبب آخر هو ضغط حزب Podemos المنتمي أيضاً لليسار الاشتراكي والمتحالف من حكومة بيدرو سانشيز، الحزب الذي يتبنى النظرة الثورية، ويجد من نفسه امتداداً للأنظمة الثورية كنظام مادورو في فينزويلا ونظام خامنئي في إيران، ويتلقى دعمه المالي منهما.
شكلت تبعات هذا القرار منعطفاً أعادته إلى نقطة الصفر، فعقد توريد الأسلحة مرتبط بعقود تسليح أخرى، وأهمها عقد بناء خمس بوارج حربية بقيمة ١.٨ مليار يورو تنتجها Navantia عملاق التصنيع البحري في سواحل قادش التابعة لإقليم الأندلس، هذا العقد الضخم ضمن ٦٠٠٠ فرصة وظيفية لأبناء إقليم الأندلس الفقير، مقارنة بإقليم مدريد أو كتالونيا أو الباسك، خسارة هذا العقد شكلت موجة من الانقسام في الداخل الإسباني، بل حتى في داخل الحزب الواحد حيث ثار ممثل حزب Podemos في قادش والسكرتيرة العامة لحزب PSOE في الأندلس على قرار أحزابهم المركزية، لما فيه من تهديد لقاعدتهم الانتخابية، وتأثيره على مصداقية وسمعة الحكومة الإسبانية في تعاقداتها التجارية.
تمكنت المملكة، وبكل هدوء، من إنهاء التوتر بالطرق الدبلوماسية من خلال ما تملكه من استثمارات هائلة في إسبانيا وما تربطها بها من عقود ضخمة كعقد شبكة القطارات والاستثمارات الثنائية والسياحية، فالمملكة اليوم لا تقف وحيدة فهي وحلفاؤها يشكلون مركز ثِقل عالميا ومؤثرا، لا يخشى مواجهة أكبر الدول، أصبحت المملكة دولة تمضي إلى المستقبل بخطى واثقة وبرؤية جريئة، لا تقبل الحلول الوسط، واضحة في علاقاتها الدبلوماسية، ولا تخضع لضغوطات الدول الأخرى، هذا الدرس الذي لم تتعلمه كندا وألمانيا.
ومع انجلاء الغيمة وجب الوقوف على ثلاثة دروس ونقاط مهمة :
- المتلقي الإسباني والشعوب الناطقة بها لا يصلهم سوى الجانب الآخر من القصة الذي ترويه لهم المنظمات غير الحكومية والإعلام المضاد الذي عمد إلى تشويه دور قوات التحالف في اليمن، دون أي صوت يعكس حقيقة الصراع والجرائم أو الانتهاكات التي يقوم بها الحوثي.
- وجب الانتباه وإدراك وعدم إهمال أهمية دور المنظمات غير الحكومية، ليس فقط على تشكيل الرأي العام الأوروبي، بل حتى تأثيره على القرارات التي تتخذها الحكومات الغربية.
- الشراكات الاستراتيجية مع دول الغرب غير مضمونة وخاضعة لمزاجية الأحزاب التي تدول السلطة فيها، لذا وجب تقييد العقود معها بشروط مُحكمة تضمن الصفقات معها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة