سليماني وبن لادن.. تشابهات عديدة وفروق تكشف عن الأخطر
سقوط الرمز، سواء سليماني أو بن لادن، لدى الإرهابية وناصرها مربك لحد بعيد وخطير على مستويات عدة.
تشابهات عديدة تربط بين حياة وموت كل من قاسم سليماني وأسامة بن لادن، ليس فقط أن كليهما من مواليد شهر مارس/آذار عام 1957، أو أن كليهما تولى قيادة تنظيمه الإرهابي بشكل كامل عام 1998.
ويعتبر التأسيس الفعلي للقاعدة في هذا التاريخ، كما تولى سليماني قيادة فيلق القدس خلفا لأحمد وحيدي أيضا في هذا التاريخ.
كما يتشابه كل منهما في طريقة قتله المفاجئ والصادم لأنصارهما على يد قوات المارينز الأمريكية، حيث قتل الأول" سليماني" في 3 من يناير/كانون الثاني الجاري.
وقتل بن لادن في 2 مايو/أيار عام 2011 بعملية لقوات المارينز الأمريكية، في عملية خاطفة ومفاجئة وسرية بعيدة الأثر بسقوط الرمز في الاتجاهين، حيث الملمح الأهم في التشابه بينهما أن كليهما يعد رمزا وزعيما للتيارات الإرهابية.
يعد قاسم سليماني رمزا وزعيما للطائفية المعولمة، كونه قائد فيلق القدس، الفصيل الأهم في الحرس الثوري الإيراني، والمسؤول الرئيسي عن تصدير ما يطلق عليه مجازا الثورة الإسلامية للعالم، والعمليات الإرهابية التي ينفذها عناصرها ووكلاؤها منذ ثمانينيات القرن الماضي في المنطقة والعالم.
وكانت السباقة لعديد من التقنيات الإرهابية كالعمليات الانتحارية التي توسعت فيها القاعدة ثم داعش بشكل أكبر فيما بعد، فضلا عن فترة التلاقي والتقارب التي حدثت بين الطرفين قبل أحداث 11 سبتمبر/أيلول عام 2001.
والتطابق الكبير في تصورات العدو بينهما، ليس فقط أمريكا وإسرائيل، بل كل الحكومات والأنظمة العربية والإسلامية المعارضة لهذه التوجهات الإرهابية.
ملأ كلا الرجلين، سليماني وبن لادن، الدنيا وشغلا الناس، وصنعا جاذبية للأنصار بظهور متكرر في ميادين القتال، وانتشر التابعون والمولهون بشخصياتهم من سوريا للعراق لأفغانستان لغيرها من البلدان.
كما حرص كلا الرجلين على قليل من التوافق الاستراتيجي للتركيز على العدو المشترك واعترفا بقبول متبادل بين الاستراتيجيتين، على العكس من الزرقاوي "قتل في يونيو سنة 2005" وخلفه البغدادي "قتل في نوفمبر 2019".
كما كان كل منهما قليل الكلام والتصريحات، مكتفيا بالغموض والتأثير، والاعتماد على الوسطاء غير المباشرين واللامركزية في الإدارة للفروع والوكلاء الموالين التابعة له، ولكن تبقى هناك عدد من الفروق المهمة بين الرجلين أو بين الخطرين وتأثيرهما وتاثير مقتلهما بعد الرحيل، وهو ما سنحاول عرضه له فيما يلي:
الفروق الجوهرية بين سليماني وبن لادن:
إن الفارق الأهم بين الرجلين أن سليماني يعد ممثلا لدولة يتبع سياساتها ويعبر عن أجندتها واستراتيجياتها، وله مرشد يعود إليه ويتلقى عنه، ولعل هذا هو السبب الذي يجعل إيران الداعم الأول للإرهاب في العالم حسب تقرير الخارجية الأمريكية الذي يصدر دوريا في مايو/أيار من كل عام.
كما أن هذه الاستراتيجية التي تجمع بين لغة الدولة ولغة التنظيم الإرهابي، وتجمع بين السياسة وبين العنف السياسي والديني يجعل إرهاب سليماني والجماعات -أو المليشيات- التي كانت تحت إدارته ورايته أكثر خطورة من تلك التي كانت تحت بن لادن.
كونه جزءا من هيكل القيادة في النظام الإيراني، رقي قاسم سليماني لرتبة اللواء عام 2011 وهي أعلى رتبة في الحرس الثوري، ويعد الحاكم الفعلي لإيران في العراق حسبما نشرت جريدة نيويورك تايمز في 3 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2012، كما كان سليماني المخطط لمبادرتين رئيسيتين في السياسة الخارجية الإيرانية وهما:
- ممارسة وتوسيع نفوذ طهران في الشؤون السياسية الداخلية بالعراق.
- تقديم دعم عسكري لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، ومن هنا كان لوم المرشد لأداء الحرس الثوري في الأزمة السورية عام 2012.
وفي عام 2011 وضعت وزارة الخزانة الأمريكية الجنرال سليماني على قائمة عقوباتها لأن مسؤولين أمريكيين قالوا إنه كان مشاركا في مؤامرة لاغتيال السفير السعودي بواشنطن، وهو الدور غير المستغرب عند كثير من المراقبين والمحللين.
كما أشار تقرير ألماني نشر حديثا إلى مشاركة عناصر من فيلق القدس مع عناصر من حزب الله في اغتيال اللواء وسام الحسن في بيروت أوائل أكتوبر/تشرين الأول عام 2012.
بينما كان أسامة بن زعيم تنظيم مستقل، لا يتبع دولة ما ولا تدعمه أي دولة عربية أو إسلامية معترف بها، باستثناء إمارة طالبان، التي يبدو أنه كان يديرها أكثر مما كانت تديره، وكان سببا في إسقاطها في أكتوبر سنة 2001، بعد تنفيذ القاعدة وتبنيها لعمليات 11 سبتمبر من العام نفسه.
كما أن أسامة بن لادن لم يتوفر له الملاذ الآمن المستقر دائما، بينما ظل سليماني ورفقاؤه، ومنهم من قضى معه في عملية مقتله أبو مهدي المهندس، يجد ملاذه الآمن في الدولة والنظام الإيراني أو فيما يسيطر عليه من عواصم أخرى وبلدان أخرى، فانتقل أبو مهدي المهندس للعمل من وطنه العراق بعد أن أقام وغيره من قادة فيلق بدر طويلا في إيران.
القتل المفاجئ وصدمة الأتباع:
كان مقتل أسامة بن لادن مفاجئا في مايو/أيار عام 2011 حين تم إنزال جوي استهدفه في ملجأه الآمن بأبوت آباد، وكذلك كان استهداف وتصفية قاسم سليماني، ومعه أبو مهدي المهندس قائد وزعيم ومؤسس مليشيا حزب الله العراقي ومؤسس فيلق بدر سابقا، وأحد أبرز أصدقاء سليماني التاريخيين وأقرب مستشاريه، مفاجئا وصادما للأنصار والأتباع وفاتحا باب توقعات كبيرا بين التهويل من آثاره والتهوين منها.
فقد تكررت طويلا التحرشات الإيرانية بالولايات المتحدة وحلفائها ولكن هذه المرة نفذ الصبر الأمريكي، وجاء رد الفعل سريعا ومعبرا عملياتيا ورمزيا، على اقتحام مقر السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء في بغداد، وهي الأكبر في العالم في 31 ديسمبر/كانون الأول قبل مليشيات موالية لإيران من الحشد الشعبي.
وهاجم المحتجون الذين يحملون أعلام الحشد الشعبي وحزب الله العراقي مبنى السفارة، وكتبوا اسم سليماني على الجدران، وكأنهم قاموا بالواجب ونفذوا الأوامر، بعد أن نجحوا في اقتحام الباحة الخارجية للسفارة، واقتحموا نقطة أمنية عند مدخل مجمع السفارة الأمريكية وأضرموا فيها النار.
ونددوا بالضربات الجوية الأمريكية التي استهدفت قواعد عسكرية تابعة لكتائب حزب الله العراقي الموالي لإيران في 29 ديسمبر/كانون الثاني، وتسربت أخبار -حسب بعض المراقبين والتصريحات الأمريكية- لتخطيط كل من سليماني والمهندس لتنفيذ عمليات لاغتيال دبلوماسيين أمريكيين.
فجاء الاستباق الأمريكي المختلف سريعا ومركزا ومختلفا عن كل سوابقه، سواء تفجير السفارة الأمريكية في بيروت من قبل حزب الله في أبريل/ نيسان عام 1983 أو اغتيال السفير الأمريكي في ليبيا في بنغازي عام 2012 أو تفجير إيران طائرة تجسس أمريكية بدون طيار العام المنصرم وغيرها من الحوادث التي تعرضت لها السفارات والقنصليات الأمريكية في الخارج.
جاء رد الفعل ممثلا في ضربة جوية مفاجئة ليل الخميس، وفجر الجمعة 3 يناير/كانون الثاني استهدفت قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني ومستشاره في العراق نائب رئيس {هيئة الحشد الشعبي} أبو مهدي المهندس، وموكباً كان يقلهما داخل مطار بغداد وقتل معهما بعض عناصر الحشد الشعبي.
وفيما توعدت طهران وعلى لسان المرشد الأعلى علي خامنئي بـ"ثأر قاسٍ"، قالت أوساط إدارة الرئيس ترامب، الذي أصدر الأمر لوزارة الدفاع بتصفية سليماني، إن إيران تواجه خطر تدمير مصافيها النفطية إذا ما قامت برد انتقامي.
التلاقي الاستراتيجي بين الرجلين وأنصارهما:
محطات التلاقي الاستراتيجي والعملي بين الرجلين كثيرة، لعل أولها تلقي عناصر القاعدة تدريبات في السودان وإيران في تسعينيات القرن الماضي، وكذلك الحصانة المستمرة التي كان يعطيها أسامة بن لادن لإيران، إيمانا منه بأنها بمواجهتها للولايات المتحدة تعد الأقرب إليه من دون الدول العربية والإسلامية الأخرى.
فضلا عن تأكيده وحرصه على المصالح والسلام معها كملاذ آمن لأهله وعدد من قيادات تنظيمه كما كشفت وثائق أبوت أباد، وقد انتقد الزرقاوي مرارا على استهدافها أو أتباعها في العراق.
ونجد مثل هذا الوعي الاستراتيجي حاضرا عند قاسم سليماني بقوة، خاصة مع تسهيله دخول وإقامة الفارين من أفغانستان بعد 11 سبتمبر وأحدهم كان أبومصعب الزرقاوي، وسيف العدل القائد العسكري للقاعدة، وقبل ذلك في التنسيق والتسهيل والدعم اللوجيستي والتدريب للمجموعة العملية التي قامت بأحداث سبتمبر كما أثبتت التحقيقات وغيرها.
نذكر أن الزرقاوي مكث في إيران عامين قبل انتقاله للعراق بناء على طلبه ومجموعته من سيف العدل، حسب شهادة الأخير، لم تكن مجهولة على الحرس الثوري وقاسم سليماني قائد فيلق القدس، الذي انتشرت تصريحات له عام 2004 ألقاها في ندوة مغلقة عقدها مخيم لطلبة الدراسات الاستراتيجية والدفاعية بجامعة الإمام الحسين عام 2004، بتوفير إيران تسهيلات لزعيم "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" أبو مصعب الزرقاوي.
وبرر ذلك بـ"أن نشاطات الزرقاوي في العراق تخدم المصالح العليا لإيران، وبينها منع قيام نظام علماني فيدرالي متعاون مع الولايات المتحدة".
وأضاف سليماني: "لا يحتاج الزرقاوي وعناصر قيادة تنظيمه إلى رخصة مسبقة لدخول إيران، فهناك نقاط حدود معينة تمتد من حلبجة شمالا إلى عيلام جنوبا، يستطيع الزرقاوي وما يزيد على 20 مقاتلا من مؤيديه دخول الأراضي الإيرانية متى يشاؤون".
وردا على جرائم الزرقاوي وقاعدته في العراق حينئذ تجاه الشيعة، واغتيالهم لعدد من رموزهم مثل محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية (المجلس الإسلامي الأعلى لاحقا) في 29 أغسطس/آب عام 2003، يشكك سليماني في تورط الزرقاوي في مقتل الحكيم، ويعتبره أمرا ليس مؤكدا.
أما الأمر المؤكد فهو حسب الجنرال سليماني:" أن ما يقوم به الزرقاوي حاليا يخدم مصالح إيران العليا، فقيام عراق علماني فيدرالي متعاون مع الولايات المتحدة أخطر بكثير من النظام البعثى السابق، ذلك أن النظام الجديد سيشكل، حسب سليماني، "تهديدا حقيقيا للإسلام الثوري المحمدي الخالص وولاية الفقيه" خاصة بعد صعود مشكلة الملف النووي الإيراني بعد حرب العراق عام 2003، واستمرار الضغوط الدولية عليها.
ماذا بعد الرجلين؟
سقوط الرمز، سواء سليماني أو ابن لادن، لدى الإرهابية وناصرها مربك لحد بعيد وخطير على مستويات عدة.
ولا شك أن مقتل رجل مثل سليماني يتولى مقاليد أمور فيلق القدس وتوابعه وربان السياسة التدخلية والتوسعية والإرهابية لإيران في المنطقة، يتولى منصبه منذ عقدين من الزمان، أربكت الإدارة الإيرانية التي تتحسب لأي رد فعل غير محسوب هي ومليشياتها بعد هذه الصدمة غير المتوقعة.
ولذا نتوقع فاصلا زمنيا سيأخذ العقل فيه مجاله قد لا يقود لغير المفاوضات طريقا لإيران حرصا على مصالحها وحلفائها.
ولا يزال سقوط ومقتل بن لادن يخيم على القاعدة التي فقدت الصدارة للمشهد لصالح داعش، كما فارقها العديد من الأنصار وخلعت بعض التنظيمات بيعتها لخلفه الظواهري الذي لا يملك الكاريزما نفسها أو القبول نفسه.