مشهد متأزم.. هل الصومال مؤهَّل لانسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي؟
انسحاب قوات "أميصوم" من الصومال بحلول عام 2021 يظل قرارًا يفتقد للرشادة بسبب الوضع الأمني المتأزم.
في 27 يونيو/حزيران عام 2018، اعتمد مجلس السلم والأمن الأفريقي في جلسته رقم 782 المنعقدة في العاصمة الموريتانية نواكشوط خطة انتقال الصومال (STP)، وهي الخطة التي اعْتُبِرت بمثابة دليل شامل طوَّرته الحكومة الفيدرالية الصومالية وشركاؤها الإقليميون والدوليون من أجل حشد الجهود بما يكفل إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية كي تضطلع بكافة المهام والمسؤوليات الأمنية عقب انسحاب قوات بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (أميصوم) بحلول عام 2021.
ومنذ ذلك التاريخ، سيطرت حالة من القلق على بعض البلدان المساهمة بقواتها في "أميصوم"، وذلك الخوف مرجعه بالأساس استمرار تهديدات حركة "الشباب" الإرهابية ليس فقط على الأقاليم الصومالية بل يتخطاه إلى دول الجوار القريب خصوصًا في ظل عدم جاهزية القطاع الأمني الصومالي للاضطلاع منفردًا بكافة المهام الأمنية.
وفي هذا الإطار، أصدر معهد الدراسات الأمنية Institute for Security Studies (ISS) ورقة سياسات بعنوان "انسحاب أم انسداد للأفق: مستقبل أميصوم في الصومال"، ناقشت أبرز التهديدات الأمنية التي تجابه الدولة الصومالية في الوقت الراهن، فضلًا عن تقييم التوقيت الذي وضعته خطة الانتقال كموعد نهائي لانسحاب قوات "أميصوم" بالنظر إلى المعطيات الآنية للمشهد السياسي والأمني الصومالي.
حركة "الشباب" الإرهابية أكبر التهديدات الأمنية:
ارتأت ورقة السياسات أنَّه رغم استمرار الهجمات التي تشنها حركة "الشباب" الصومالية الإرهابية على كل من قوات بعثة الاتحاد الأفريقي "أميصوم" المتمركزة هناك وقوات الجيش الوطني الصومالي بين الفنية والأخرى، إلا أنَّ "أميصوم"، بالتعاون مع الجيش الصومالي قد استطاعت تحرير ما يربو على الـ 70% من الأقاليم الصومالية التي كانت خاضعة لسيطرة حركة "الشباب".
بيْدَ أنَّ هذا التقدم المحرز في الوضع الأمني الصومالي على مدار الأعوام القليلة الماضية لا ينفي استمرار خطورة حركة "الشباب" باعتبارها أكبر التحديات الأمنية المسئولة عن تأزُّم المشهد الأمني الصومالي خلال العقد المنصرم، وسقوط أكثر من 22 ألفا من الضحايا، ولا تزال تحكم قبضتها على حوالي 30% من أقاليم الدولة الصومالية، وهي نسبة ليست بالهيِّنة.
وبالعودة إلى عام 2010، استطاعت حركة "الشباب" الإرهابية فرض سيطرتها على أجزاء من العاصمة الصومالية مقديشيو، وكانت آنذاك تتبع تكتيكًا تقليدًا للقتال، ألا وهو الاشتباك والدخول في مواجهات مسلحة مع قوات الجيش الوطني الصومالي وقوات "أميصوم"، واستهدفت بالأساس المواقع الأقل تحصينًا، لكنَّ هذا الوضع لم يستمر طويلًا؛ إذ سرعان ما اتجهت الحركة الإرهابية إلى تغيير تكتيكاتها القتالية، وذلك عقب نجاح قوات "أميصوم" والجيش الصومالي في دحر الحركة وإجبارها على الانسحاب من الأراضي التي كانت قد سيطرت عليها بالعاصمة الصومالية في الفترة الزمنية الممتدة من عام 2011 حتى 2012.
وقد لجأت حركة "الشباب" منذ أنْ أُجْبِرت على التقهقر إلى تغيير تكتيكاتها القتالية، وباتت تعتمد بشكل كبير على استخدام السيارات المفخخة في الهجوم على قوات "أميصوم" أو الجيش الصومالي، فضلًا عن رصد شخصيات بعينها واغتيالها.
وغدت حركة "الشباب" الإرهابية تحكم سيطرتها على المناطق التي تكاد تخلو من قوات "أميصوم"، وذلك مرجعه في الأساس عدم كفاية عدد قوات "أميصوم" للتمشيط الأمني لكافة الأقاليم الصومالية، خصوصًا في ظل التناقُص التدريجي في أعداد قوات "أميصوم"، حيث يصل عددها إلى ما بين الـ 20 إلى 22 ألف جندي. ومن المتوقع أنْ ينخفض العدد ليصل إلى 19 ألف جندي فقط، تمهيدًا لانسحابها من الصومال بحلول 2021.
الوضع الأمني غير ملائم لانسحاب "أميصوم":
رغم تأييد مجلس الأمن والسلم الأفريقي لخطة انتقال الصومال الرامية إلى انسحاب قوات "أميصوم" وتسليم كافة المهام الأمنية للجيش الوطني وقوات الأمن الصومالية، فإنَّ البيان الصادر عن المجلس آنذاك لم يُخْفِ حالة القلق البالغ إزاء الحفاظ على التقدم المحرز لضمان الاستقرار والأمن في الصومال، الذي انهكته الحرب الأهلية على مدار أكثر من عقديْن من الزمن، والحيلولة دون انتكاس الأوضاع مجددًا بعد انسحاب قوات "أميصوم". وقد تبنَّت الورقة منطقية حالة القلق تلك إزاء خطة الانتقال لعدة عوامل:
أولًا: بطء وتيرة عملية المصالحة الوطنية بين مختلف مكونات الدولة الصومالية، وهذا الأمر يعرقل كثيرًا من إعادة هيكلة القطاع الأمني بصورة شاملة.
ثانيًا: استمرار قدرة حركة "الشباب"، رغم تضاؤل مساحة الرقعة التي باتت تسيطر عليها، على شن هجمات إرهابية فتَّاكة تفضي إلى وقوع ضحايا من العسكريين والمدنيين على حد سواء، فضلًا عن وجود انقسامات مجتمعية حادة على أسس قبلية مقرونة بانتشار الأسلحة وانتشار عناصر لتنظيم داعش الإرهابي في بونتلاند وجنوب ووسط الصومال، مما يشكِّل مصدر تهديد مستمر لأمن واستقرار المجتمع الصومالي.
ثالثًا: رغم الدعم الإقليمي والدولي المقدَّم لها، لا تزال قوات الأمن الصومالية تفتقر إلى القدرة على النهوض بكافة المسئوليات الأمنية في الأجليْن القصير والمتوسط.
رابعًا: غياب التوافق بين الحكومة الصومالية الفيدرالية وبين الولايات الصومالية المختلفة حتى اللحظة الراهنة.
خامسًا: تُعَد قوات "أميصوم" هي القوات الأمنية الأكثر تماسكًا وتجانسًا واحترافية مقارنةً بقوات الجيش الوطني الصومالي. وليس ثمة مبرر لوضع خطة لانسحاب قوات "أميصوم"؛ إذ كان من الأجدر إيلاء القدر الأكبر من الأولوية لوضع استراتيجيات وآليات عمل تستهدف عملية بناء المؤسسات وإعادة تشكيل الدولة الصومالية سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا وليس التركيز على إعطاء الأولوية لانسحاب قوات "أميصوم" في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الصومال.
توصيات ختامية
انتهت ورقة السياسات بطرح جملة من التوصيات المهمة لعل أبرزها:
أولًا: ضرورة حشد الدعم اللازم وتنسيق الجهود بين الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيجاد)، إحدى التجمعات الإقليمية الفرعية في القارة الأفريقية، من أجل تقديم الدعم الكامل للعملية السياسية في الصومال بما يكفل إعادة بناء مؤسسات الدولة بما فيها إعادة هيكلة القطاع الأمني على أسس تضمن له الاضطلاع بدوره في تعزيز أمن واستقرار البلاد وتحرير ما تبقى من أراضي خاضعة لسيطرة حركة "الشباب" الإرهابية.
ثانيًا: إعطاء الأولوية لرفع مستوى الكفاءة القتالية والقدرات العملياتية والتكتيكية لقوات "أميصوم"، وذلك من خلال دراسة دقيقة لتوزيع القوات بالتناسب مع مساحة كل ولاية وحجم التهديدات التي تجابهها.
ثالثًا: بذل الجهود من أجل تعزيز التوافق والتنسيق بين الحكومة الصومالية والولايات الفيدرالية، لأنَّ غياب الرؤية الموحَّدة حول قضايا الأمن وغيرها من القضايا الحيوية للدولة سيفضي إلى مزيد من التأزُّم للوضع الأمني والسياسي الصومالي.
رابعًا: لابد من تزويد "أميصوم" بعناصر شُرَطية تساعد في ضبط الأوضاع الأمنية على مستوى الولايات الفيدرالية بالصومال.
وختامًا، أكَّدت الورقة على أنَّ انسحاب قوات "أميصوم" من الصومال بحلول عام 2021 يظل قرارًا يفتقد للرشادة؛ ذلك لأنَّه لا يأخذ في الاعتبار الوضع الأمني المتأزم وإنْ كان هناك تقدم محرز. فغياب الرؤية الشاملة وما ينبثق عنها من آليات عمل فعَّالة لإعادة هيكلة القطاع الأمني الصومالي فضلًا عن استمرار الهجمات الإرهابية لحركة "الشباب" الصومالية والمليشيات الأخرى المسلحة أمر يزيد المشهد الأمني الصومالي تعقيدًا إذا أتمَّت قوات "أميصوم" انسحابها بنهاية العام الجاري.