ثورة الـ"تيتراتينت".. مادة "غير موجودة" تقلب موازين حرب العناصر النادرة
ينظر العالم للعناصر النادرة على أنها لا تقل أهمية عن النفط، كونها تمثل العمود الفقري لمعظم الصناعات، ولا يمكن الاستغناء عنها، وأصبحت من مصادر القوة لمن يملكها.
نجحت الصين خلال السنوات الأخيرة في السيطرة على سوق العناصر النادرة، وهو ما يثير القلق والمخاوف في واشنطن، حيث تمثل هذه العناصر أحد أسلحة القوة في الحرب التجارية الدائرة بين البلدين.
وفي ظل السعي نحو الخروج من هذا المأزق، نجح العلماء في الولايات المتحدة إلى التوصل إلى بديل يمكن تصنيعه سوف يحل محل العناصر النادرة، وأطلق عليه اسم "تيتراتينت tetrataenite".
ما هو "التيتراتينت"؟
في العصور الأولى سقطت العديد من النيازك عبر الفضاء نحو الأرض، والتي كان يوجد بداخلها مادة عبارة عن مزيج من معادن أساسية هي النيكل والكروم، والتي تم تبريدها على مدى ملايين السنين.
هذه العملية التي استمرت لملايين السنين خلقت مركبا فريدا بمجموعة معينة من الخصائص التي تجعله مثاليا للاستخدام في المغناطيس الدائم، هذا المركب أطلق عليه العلماء اسم tetrataenite.
أهمية المغناطيس الدائم تكمن في كونه مكونا أساسيا لمجموعة واسعة من الآلات المتقدمة، من المركبات الكهربائية إلى توربينات المكوك الفضائي.
وكيف سيتم الحصول على المركب الجديد؟
المركب الجديد يمثل ثورة في عالم الصناعة، بعد أن أصبح من الممكن تصنيعه في المختبرات، وهو ما يمثل ضربة قوية لسوق العناصر النادرة المستخدمة في صناعة المغناطيس الدائم.
هذا الإنجاز قد يؤدي إلى إزعاج سوق العناصر النادرة، التي تهيمن عليها الصين حاليا، وسيحدث تحولا في التوازن الصناعي بين بكين والغرب.
ما هو المغناطيس الدائم؟
بالعودة للمغناطيس الدائم سنجد أنه العنصر الأساسي في أي قطعة من الآلات تعمل بالكهرباء، فهو الوسيلة التي تحول الطاقة الكهربائية إلى طاقة حركية أو عمل ميكانيكي.
يجب أن تكون المغناطيسات الدائمة المستخدمة في الآلات المتقدمة قادرة على مقاومة الضغوط ودرجات الحرارة الهائلة لفترات طويلة من الزمن، وللحصول على هذه الخصائص يتم اللجوء إلى عناصر الأرض النادرة.
هذه العناصر النادرة موجودة في كل أنحاء العالم، لكن الأمر الصعب يكمن في استخراجها، حيث يتطلب ذلك فصلها عن بعضها، وعادة ما يتم دمجها مع عناصر أخرى، كل هذه العمليات مكلفة جدا.
من يسيطر على عناصر الأرض النادرة في العالم؟
حتى ثمانينيات القرن الماضي كانت الولايات المتحدة مسيطرة على سوق العناصر النادرة، قبل أن تدخل الصين بقوة وتهيمن على السوق، بعد أن وجدت الصين مخزونا ضخما من هذه العناصر داخل حدودها.
منذ هذه اللحظة توقف الإنتاج الأمريكي، وسيطرت الصين على السوق بشكل فعال، اليوم، تسيطر بكين على أكثر من 71% من استخراج العالم و87% من قدرة معالجة العالم للأتربة النادرة، كما أنها صنعت أكثر من 80% من المغناطيس الدائم في العالم.
اثنان من هذه العناصر الأرضية النادرة، النيوديميوم والبراسيوديميوم، هما عنصران أساسيان في تصنيع المغناطيس الدائم، مما يعني أن الصين تهيمن الآن على سوق المغناطيس الدائم أيضا، حيث تصنع أكثر من 80% من هذه الأدوات المتطورة.
ما سر خوف أمريكا من سيطرة الصين على العناصر النادرة؟
ما يؤكد أهمية هذه العناصر وهذه الصناعة، أنه في عام 2004 قامت الولايات المتحدة بالفعل بتعهيد إنتاج المغناطيس المستخدم في أنظمة التوجيه لصواريخ كروز الأمريكية والقنابل الدقيقة لشركة صينية، وفقا لموقع "NPR".
تعيش الولايات المتحدة في وضع استراتيجي غير مناسب فيما يتعلق بهذه الصناعة الحيوية، حيث لجأت مؤخرا لإعادة تشغيل منجم عناصر أرضية نادرة في كاليفورنيا، وتبحث عن غيره من المناجم، لكن الأمر ليس بهذه السهولة فهو يتطلب الكثير من الوقت.
هل يحل التيتراتينيت الاصطناعي مشكلة واشنطن قريبا؟
وفي ظل هذه القلق ظهر اكتشاف التيتراتينيت الاصطناعي والذي قد يغير قواعد اللعبة، الأبحاث تقول إن المركب يساعد في صنع مغناطيس دائم منه لجميع الآلات.
وعندما يحدث ذلك يمكن للولايات المتحدة أن تملأ جزءا كبيرا من سوق المغناطيس، وتقلل حاجتها إلى بعض العناصر الأرضية النادرة.
لكن المشكلة بالنسبة لواشنطن أن العناصر النادرة لا تستخدم فقط في صناعة المغناطيس الدائم فقط، فهي يتم استخدامها في الألياف الضوئية وماسحات الإشعاع وأجهزة التلفزيون وفي الإلكترونيات الشخصية.
الأهم أن الوقت ما زال طويلا أمام التيتراتينيت الاصطناعي، أو رباعي النيتروجين قبل أن يصبح في وضع يسمح له بتعطيل أي أسواق قائمة، فهناك الكثير من الاختبارات التي يتعين القيام بها لمعرفة ما إذا كان مفيدا مثل مادة الفضاء الخارجي.
وحتى إذا اتضح أنها جيدة، فسوف يستغرق الأمر من 5 إلى 8 سنوات قبل أن يتمكن أي شخص من صنع مغناطيس دائم منه.
اعتماد أمريكا الكبير على عناصر الأرض النادرة التي لا غنى عنها في إنتاج توربينات الرياح والمركبات الكهربائية، والطائرات المقاتلة المتطورة والذخائر الموجهة بدقة تم تحديدها على أنها نقطة ضعف استراتيجية خطيرة.
حددت استراتيجية الأمن القومي التي نشرتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخرا سلاسل التوريد للعناصر الأرضية النادرة كقضية رئيسية.
خلصت مراجعة أجرتها وزارة الدفاع في عام 2021 إلى أن الاعتماد المفرط على الصين "يخلق خطر الاضطراب والممارسات التجارية المسيسة" التي من شأنها أن تضر بالقطاعات التجارية بشكل خاص.
كيف سيطرت الصين على سوق العناصر الأرضية النادرة؟
بالعودة للوراء، سنجد أنه أثناء الحرب العالمية الثانية تفوق علماء الجيش الأمريكي في صناعة عناصر الأرض النادرة، لكن الوضع لم يستمر طويلا عندما انتقلت الصناعة إلى خارج البلاد.
على العكس استفادت الصين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من هذه الصناعة، بعد أن أعلن دنغ شياو بينغ، زعيم الإصلاح الاقتصادي في الصين في الثمانينيات، أن هذه المعادن ستكون ذات يوم بنفس أهمية النفط، وفقا لصحيفة "نيوزويك".
أرقام وكالة الطاقة الدولية تؤكد أن الخطر أكثر حدة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، حيث استوردت قطاعات التكنولوجيا الفائقة 78% من معادنها الأرضية النادرة من الصين بين عامي 2017 و2020، وفقا للمسح الجيولوجي الأمريكي.
على المستوى الكلي، يرتبط اعتماد الولايات المتحدة المستمر على الصادرات الصينية بشكل مباشر بقدرة أمريكا على التعرض لضربة اقتصادية في أوقات الأزمات، كما يتضح من فصل الغرب العاجل عن إمدادات الطاقة الروسية هذا العام.
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وافقت بكين على دمج 3 شركات حكومية في مجموعة China Rare Earth Group، وهي عملاق صناعي مسؤول عما يقرب من 70% من إنتاج الأرض النادرة في البلاد، رأى الخبراء في هذا المجال أنها خطوة مهمة لتعزيز هيمنة الصين على الصناعة.
وفقا لموقع "digital journal"، يقدر حجم السوق العالمي لعناصر الأرض النادرة بمبلغ 2.82 مليار دولار في عام 2022 ومن المتوقع أن يصل حجمه المعدل إلى 3.97 مليون دولار بحلول عام 2028 بمعدل نمو سنوي مركب بنسبة 5.9% خلال فترة التوقعات 2022-2028.
aXA6IDMuMTMzLjE0Ni45NCA= جزيرة ام اند امز