مع نهاية عام 2023 انتهت عضوية دولة الإمارات غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي، ممثلة للمجموعة العربية، أسهمت بها خلال العامين الماضيين في تقديم صورة دبلوماسية نموذجية تليق بالمكانة العالمية الكبيرة التي وصلت إليها الإمارات.
ورغم صعوبة المرحلة الماضية بصراعاتها المتشابكة، من الحرب في أوكرانيا إلى حرب غزة، فإن فريق العمل الإماراتي الدبلوماسي استطاع تمثيل العرب خير تمثيل، وتقديم مقاربات مهمة أدت إلى نتائج تاريخية.
عامان هيمنت عليهما حروب أثرت تداعياتها السياسية والاقتصادية على العالم كافة، فضلا عن الملفات الدولية والإقليمية المفتوحة مسبقاً، والتي تبين حجم التحديات العالمية، في ظل عالم متغير يتشابك به المشهد السياسي بحسب متغيرات الأحداث، وتملأه الاستقطابات وإعادة تكوين التحالفات الجيوسياسية، ما يتطلب التعاون والتضامن بين الدول، لتسهيل الحوار وتخفيف المصاعب.
وعلى الرغم من صعوبة التوقيت، نجحت دولة الإمارات في التأثير بشكل حاسم خلال عملها في مجلس الأمن الدولي، ما أسهم في إصدار قرارات دولية ستؤثر بشكل إيجابي على شعوب العالم، في المدى الفوري القريب والمستقبل البعيد.
حققت دولة الإمارات من خلال عضويتها في مجلس الأمن الدولي عدة مكتسبات، ولعل أبرزها مشاركة الدبلوماسية الإماراتية في صياغة الأجندات العالمية، وقدرة نموذجها الفاعل على تسهيل الحوار بين الأطراف المتصارعة بشكل مستقل وحيادي، كما أظهرت التجربة دبلوماسية مرنة وديناميكية، قادرة على التكيف مع أصعب المواقف شدة، ولا شك أن هذه التجربة ستسهم في اكتساب خبرات مهمة لفريق العمل الدبلوماسي، فالتجارب هي أقوى طرق التعلم.
تجربة العامين الماضيين تحتاج لبحث واسع يضع الإنجازات الإماراتية بتفاصيلها الوافية، ولعلني أبرز أهم القرارات الدولية التي أصدرها مجلس الأمن، وتقف خلفها دبلوماسية الإمارات، وأبرزها القرار 2686 حول "التسامح والسلام والأمن"، ويعد أول قرار أممي من نوعه يعترف بأن خطاب التطرف والكراهية يؤدي إلى اندلاع الحروب والأزمات، ما يعكس رسالة إماراتية نبيلة ورؤية عالمية التوجه، في معالجة الأزمات من جذورها، فمعاني التسامح هي مفاهيم يجب نشرها في مواجهة الإرهاب والتشدد.
ولعبت دولة الإمارات دوراً مؤثراً في جهود وقف إطلاق النار في غزة، من واقع إيمانها الراسخ بالقضية الفلسطينية التي تعد أحد ثوابت سياستها الخارجية، ومهما حاولت القوى المشبوهة المؤدلجة تشويه الدور الإماراتي، إلا أن الخير ينتصر في نهاية الأمر، وهو ما حصل في المنبر الدولي الأهم، حين استطاعت الإمارات قيادة مفاوضات صعبة بحلول مبتكرة، عبر تنظيم زيارة إلى معبر رفح كان لها التأثير في فهم الوضع الإنساني المأساوي، وكانت ثمرتها القرار 2720 الذي تقدمت به الإمارات، بشأن زيادة تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة.
عندما ننظر إلى التجربة الإماراتية في مجلس الأمن الدولي بشكل شمولي، لا بد أن نشيد بالعمل الجبار الذي قدمه الفريق الإماراتي الدبلوماسي، بقيادة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، والذي ترك بصمات تاريخية أشاد بها المجتمع الدولي، وأسهمت في تقارب وجهات النظر وبناء الجسور بين القوى المتصارعة من الدول الخمس الأعضاء الدائمة، خصوصاً في قضايا التنمية والمرأة ومكافحة الفقر، بما فيها الصراعات التي هيمنت على الأجندة العالمية، واستطاعت بها دولة الإمارات تقديم مقاربات بناءة ومستقلة، تميزت بكونها شجاعة، فالنظام الدولي الجديد لا يتطلب أن تعيش على الهامش، بل أن تكون عضوا فاعلا، وتستطيع بمساراتك الاقتصادية التنموية التأثير على أجندات الأمن والسلام.
تدخل دولة الإمارات عام 2024 بخطى واثقة، مستمرة في سياساتها المرتكزة على قواعد السلام والاستقرار والازدهار، بما سيعود بالخير والرخاء لشعوب المنطقة والعالم، وظهرت تباشير الخير من بداية العام الجديد، بعد نجاح الوساطة الإماراتية في تبادل للأسرى بين روسيا وأوكرانيا، تستعيد موسكو بموجبها 248 جنديا بينما تستعيد كييف 200 جندي، ما يعكس السياسة الإماراتية المثمرة في الصراعات الدولية.
وستمضي الإمارات قدماً في خطواتها البارزة في ملف المناخ، ومتابعة مخرجات "اتفاق الإمارات التاريخي" المنبثقة من مؤتمر COP28، وستستمر مساهمتها الفعالة عبر المنتديات الدولية وتحديداً مجموعة العشرين ومجموعة بريكس، فطموحات القيادة الإماراتية بقيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، غير محدودة وتتطلع دوماً لتعزيز النموذج الإماراتي التنموي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة