هدف 1.5 درجة مئوية.. معضلة دون حسم
يقولون إنّ هدف 1.5 درجة مئوية ما زال في متناول اليد، لكن التقارير تقول إننا نبعد عن المسار الصحيح لتحقيقه.
ظهر "أندريه كوريا دو لاغو"، الدبلوماسي المخضرم، ورئيس الدورة الثلاثين من مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ (COP30) بشارة مكتوب عليها 1.5 درجة مئوية، في أثناء فعاليات المؤتمر، وكأنها تذكير ودعم لدفع زمام المفاوضات نحو هدف اتفاق باريس الطموح بالحد من متوسط درجات الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية بحلول العام 2030.
ويأتي الانتقال التدريجي بعيدًا عن الوقود الأحفوري، والذي دعت إليه الدورة الثامنة والعشرين (COP28) في إكسبو دبي قبل عامين، على رأس الحلول اللازمة لتحقيق ذلك الهدف؛ لكن في الساعات الأخيرة من COP30، احتد الجدال بين الأطراف بهذا الشأن؛ فما الذي حدث؟ حسنًا، تلك قصتنا.
قبل ذلك؟
اتحدت رئاسات COP28 وCOP29 وCOP30 في فبراير/شباط 2024 فيما يُعرف بـ"ترويكا"؛ لضمان استمرارية ودعم تنفيذ مخرجات المؤتمرات الثلاث، وقد دعا COP28 للانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري، وكان من المنتظر أن تعمل رئاستي COP29 وCOP30 لوضع خطط ومسارات فعّالة لتنفيذ هذا الهدف. بالفعل، بدأت رئاسة COP30 في العمل قبل شهور من انطلاق المؤتمر في مشاورات حول إمكانية وضع خارطة طريق للوقود الأحفوري.
ويُذكر أنه خلال قمة قادة العالم في بيليم، قبيل انطلاق المحادثات، قال الرئيس البرازيلي "لولا دا سيلفا" إن العالم "يحتاج إلى خارطة طريق لعكس مسار إزالة الغابات بشكل عادل واستراتيجي، والتغلب على الاعتماد على الوقود الأحفوري".
كما اقترح "تحالف الدول الجزرية الصغيرة" (AOSIS) "مساحة مخصصة" على جدول أعمال COP30؛ لتقييم التقدم الجماعي، ودفع الطموح نحو 1.5 درجة مئوية قبل انطلاق القمة؛ علمًا بأنّ هناك العديد من الأدلة القوية التي تؤيد نظرية أنّ الدول الجزرية الصغيرة مهددة بالفيضانات والغرق مع ارتفاع درجات الحرارة، الأمر الذي يهدد بقاءها.
على الرغم من أنّ مقترح تحالف الدول الجزرية الصغيرة لم يُدرج في جدول الأعمال الرسمي، إلا أنّ هذا الموضوع قد تمت مناقشته في مشاورات رئاسية بجانب 3 مواضيع خلافية أخرى، ودُمجوا في قرار الموتيراو.
الوقود الأحفوري
كانت البرازيل أول دولة تدعم وضع خارطة طريق للوقود الأحفوري، وانضمت إليها خلال الأيام الأول دول أمريكا اللاتينية السبع ومجموعة السلامة البيئية (EIG) وتحالف الدول الجزرية الصغيرة. وفي يوم الثلاثاء الموافق 18 نوفمبر/تشرين الثاني، أُشير إلى خارطة طريق الوقود الأحفوري في المسودة الأولى لنص "الموتيراو". لكن، في وقت لاحق من ذلك اليوم، اجتمع وزراء ومسؤولون من أكثر من 20 دولة في مؤتمر صحفي، ووصفوا الإشارة الحالية للوقود الأحفوري على أنها "ضعيفة". ودعمت نحو 86 دولة خارطة طريق للانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري.
وفي صباح يوم الجمعة الموافق 21 نوفمبر/تشرين الثاني، كان هناك اجتماع صحفي خلاله وقعت مجموعة مكونة من 24 دولة على "إعلان بيليم الجديد بشأن الانتقال العادل بعيدًا عن الوقود الأحفوري"، متعهدة "بالعمل جماعيًا نحو انتقال عادل ومنظم ومنصف بعيدًا عن الوقود الأحفوري". وتلك الدول هي: النمسا وبلجيكا والدنمارك وفنلندا وأيرلندا ولوكسمبورغ وهولندا وإسبانيا وأستراليا وكولومبيا وتشيلي وكوستاريكا والمكسيك وكينيا وجامايكا وكمبوديا وفيجي وجزر مارشال وميكرونيزيا ونبيال وبنما وسلوفينيا وفانواتو وتوفالو.
كما أعلنت كل من كولومبيا وهولندا استضافتهما المشتركة لأول مؤتمر دولي حول التحوّل عن الوقود الأحفوري بين يومي 28 و29 أبريل/نيسان 2026 في مدينة سانتا مارتا. وفي صباح السبت الموافق 22 نوفمبر/تشرين الثاني، خرجت النسخة النهائية من مسودة نص موتيراو، والذي لم يشير إلى خارطة طريق للوقود الأحفوري، وفي نفس اليوم، اختتمت رئاسة المؤتمر الدورة الثلاثين من مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ، وأشار "أندريه كوريا دو لاغو"، رئيس المؤتمر إلى أنّ خارطة طريق الوقود الأحفوري ستسترشد بالمؤتمر القادم في سانتا مارتا.
وفي حوارها مع "العين الإخبارية"، تقول "غوى النكت"، المديرة التنفيذية لمنظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "غياب أي إشارة صريحة إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري في النص النهائي يشكّل تهديدًا مباشرًا لمستقبل كوكبنا وقدرتنا على البقاء، ويزيد من هشاشة المجتمعات الواقعة في الخطوط الأمامية لتداعيات تغير المناخ. ويعكس هذا التأجيل تأخرًا مكلفًا وهدرًا للوقت في مرحلة مصيرية، حيث تتطلب الأزمة تحركًا عاجلًا وحاسمًا قبل أن تتفاقم آثار هذه الأزمة بشكل لا رجعة فيه".
وتُوضح العواقب المباشرة لذلك والتي تشمل "زيادة التهديدات على الأمن المائي والزراعي، ارتفاع المخاطر الصحية، وتصاعد حدة ظواهر الطقس المتطرّف، ما يبعد العالم عن الالتزام بالهدف العالمي المتمثل في إبقاء ارتفاع متوسط حرارة الأرض ضمن 1.5 درجة مئوية".
مبادرات تطوعية؟
بالفعل، ذُكر في نص وثيقة "الموتيراو" (Global Mutirão)، أنّ هناك احتمالية لتجاوز 1.5 درجة مئوية، وهذه هي المرة الأولى التي يُشير فيها مؤتمر الأطراف لذلك. مع ذلك، أكدت الوثيقة على أنّ الإبقاء على حد 1.5 ما زال "في متناول اليد"، لكن ميزانية الكربون المتبقية لتحقيق ذلك الهدف ضئيلة وتُستنزف بسرعة كبيرة. وبناءً عليه، أطلق القرار الرئيسي لـ COP30 مبادرتين تطوعيتين، وهما: "مُسرّع التنفيذ العالمي" (GIA) و"مهمة بيليم لتحقيق 1.5 درجة مئوية". تلك القرارت تدعو الدول إلى تسريع تنفيذ تعهداتها المناخية.
وتقول "ناتالي جونز" (Natalie Jones)، مستشارة سياسية أولى في المعهد الدولي للتنمية المستدامة (IISD) لـ"العين الإخبارية" في تصريحات خاصة: "هدف الـ 1.5 درجة مئوية في حالة حرجة، ومن المتوقع الآن تجاوزه. مُسرّع التنفيذ العالمي ومهمة بيليم لتحقيق 1.5 درجة مئوية هما مبادرتان تم الاتفاق عليهما في مؤتمر الأطراف الثلاثين بهدف إبقاء هدف الـ 1.5 درجة مئوية في متناول اليد". وتُضيف: "ولكن، لإحداث نقلة نوعية، يجب أن تتجاوز هذه المبادرات مجرد منابر الكلام، بل يجب أن تحدد سبلًا واقعية لرفع مستوى الطموح، وأن تربط التمويل بالدول التي تحتاج إليه. في نهاية المطاف، عملية مؤتمر الأطراف مملوكة للدول وتسيطر عليها. في النهاية، يقع على عاتق الدول - والحكومات المحلية، والشركات، وجميعنا - رفع مستوى الطموح".
وعلى الرغم من أنّ العديد من التقارير دعمت فكرة أنّنا بعيدين كل البعد عن المسار الصحيح للحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية قبل إنطلاق COP30، إلا أنّ القرار الرئيسي للمؤتمر لم يذكر خارطة طريق أو مقترح للانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري.
يُذكر أنّه ما يزيد عن 100 دولة قدمت مساهماتها المحددة وطنيًا، مع ذلك، لا يزال العالم يسير على طريق ارتفاع درجات الحرارة بما يتراوح بين 2.3 إلى 2.5 درجة مئوية بحلول العام 2100، وفقًا لتقرير فجوة الانبعاثات للعام 2025.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNTAg جزيرة ام اند امز