لم يكن العراقيون يشاهدون سوى حمم البراكين تتفجر في سماء بغداد دون أن يعرفوا السبب الحقيقي وراء تلك الهجمة البربرية
كان الجنود يتسلون بليلة 9 أبريل/نيسان وكأنهم يضغطون على أزرار ألعابهم من الجو، وكأنهم يدمرون قلاع عدو افتراضي في خريطة بلاد الرافدين التي اختلطت في أذهانهم بالشرق، الذي لطالما شاهدوه على شاشة السينما.
لم يكن يتصورون أن هذه القلاع الافتراضية في لعبتهم الإلكترونية عبارة عن بيوت تسكن فيها أرواح العراقيين، كان ليل بغداد طويلا جدا في تلك اللحظة، وكانت جميع وسائل الإعلام خاصة المرئية منها حاضرة لكي تصور وتوثق الحدث.
كان الأمريكيون يوثقون السماء والأرض معاً، لكن هل كانوا يوثقون الدمار؟ لا أحد يدري.
لم يكن العراقيون يشاهدون سوى حمم البراكين تتفجر في سماء بغداد دون أن يعرفوا السبب الحقيقي وراء تلك الهجمة البربرية، ولم يفهموا معنى أسلحة الدمار الشامل إلا أنهم رأوها في سمائهم لأول مرة، كان ليل بغداد حالكا وأسود.
كان العراقيون يتصورون أن بغداد ستودع اليوم الأسود لكن النتيجة المرعبة أن سقوط عاصمتهم لم يكن نهاية الكابوس، إذ عاش العراق منذ ذاك 16 عاما مليئا بالدم والقتل على أيدي الأمريكيين وحلفائهم وعلى أيدي المليشيات الشيعية والسنية
هذه الحرب وضعت العراقيين في موقف الحيرة والاضطراب، فمنهم من تجمع حول تمثال صدام في ساحة الفردوس مبتهجا بسقوط الصنم كما أطلق عليه البعض، ومنهم من وقف بخوف يشاهد حياة صدام الذي ضاع بين تضاريس الأرض، ولكنه عاد إلى مسقط رأسه لكي يختفي عن أعين الأمريكيين الذين أطلقوا قواتهم ومخبريهم بحثا عنه، ولم تنفع جولة صدام الأخيرة في بغداد ليستعرض قوته التي تشتت بل تبخرت من الوجود، وسقطت أسطورة العريش في العالم التي هلل لها الأمريكان وفتحوا في صورته من أجل استخدام الصدمة والترويع والقوة المفرطة بحق شعب مسالم يحاسب بجريرة قائده، وظل الإعلاميون الذين تجمهروا في فندق ميريديان فلسطين ينقلون قصة سقوط بغداد بهذه السرعة الخارقة، وكانت تلك مفاجأة للجميع.. أين اختفى جنرالات صدام؟ أين اختفى جنوده؟ لا أحد يعلم.
كان سبب سقوط بغداد هو حصر مهام الدفاع عن بغداد بيد دائرة ضيقة من أولاده خاصة قصي، وعدد من أبناء عمومته الذين كانوا بلا خبرة عسكرية في الميدان، وسمعنا عن أساطير دفاع نخبة من الحرس الجمهوري بأن قطع جميع اتصالات الجيش العراقي مع القيادة كان من بين أسباب السقوط، وهو ما أدى إلى بعثرة الجيش وتشتته.
البعض استبشر خيرا في العهد الجديد، والبعض الآخر أكد أن الأمريكيين سوف يجعلون من بغداد مدينة تضاهي نيويورك بالأبراج وناطحات السحاب، ولم يكن يتخيل أحد أن ما كان مشيدا في العهد السابق قد هدمه الأمريكان بما في ذلك المنشآت المدنية مثل مصلحة الكهرباء والماء.
كان العراقيون يتصورون أن بغداد ستودع اليوم الأسود، لكن النتيجة المرعبة أن سقوط عاصمتهم لم يكن نهاية الكابوس، إذ عاش العراق منذ ذاك 16 عاما مليئا بالدم والقتل على أيدي الأمريكيين وحلفائهم وعلى أيدي المليشيات الشيعية والسنية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة