الانقلاب المزعوم.. مسرحية تنسف القاعدة الانتخابية لحزب أردوغان
حملات تطهير ممنهجة قام بها أردوغان رفعت منسوب الإحباط والاستياء بقلوب الأتراك، ومنحتهم قناعة جازمة بأنهم باتوا في عهد دكتاتور.
أستاذ جامعي يعمل في حظيرة بناء، ومدير شركة يدير مقهى، وقاضٍ سابق يبيع الشاي في أسواق إسطنبول، وضابط شرطة يعمل حارسا ليليا بشركة خاصة.
صور حياتية حزينة أبطالها أتراك ذنبهم الوحيد أنهم تجرؤوا على الخروج من القطيع المؤيد للرئيس رجب طيب أردوغان، أو قد يكونون فقط يسددون قرابة دموية أو حتى مجرد صداقة سطحية مع أحد منتقدي الرئيس.
فمنذ مسرحية الانقلاب الفاشل في يوليو/تموز 2016، امتدت خناجر أردوغان المسمومة لتطال مواطنيه، وتقطف رؤوسهم أو حريتهم، مستفيدا من "الشرعية" المزيفة التي منحته له المسرحية لتصفية معارضيه ومنتقديه.
حملات تطهير ممنهجة رفعت منسوب الإحباط والاستياء بقلوب الأتراك، ومنحتهم قناعة جازمة بأنهم باتوا في عهد دكتاتور لا يتوانى عن ارتكاب أبشع الجرائم من أجل الاحتفاظ بعرشه، وأن الحرية في عهده تحولت إلى شعارات واهية، في ممارسات قمعية وانتهاكات قلصت منسوب شعبيته إلى أدناها.
3 سنوات شحنها أردوغان بمحصلة صادمة من المعتقلين والمعزولين، معتقدا أنه سيجتث بذلك المعارضة والانتقادات من جذورها، ولم يكن يعلم ـ عن جهل أو رعونة - أنه إنما يزرع بذور الحقد ضده في نفوس الأجيال الراهنة والمستقبلية، ويدق بنفسه المسمار الأخير بعرش حكمه المتهاوي.
استفتاء 2017.. بداية الانهيار
فوز صعب وشاق حققته جبهة أردوغان المؤيدة للتعديلات الدستورية في استفتاء جرى بتركيا في 2017، عبر الحصول على 51.4% من الأصوات، وذلك بفارق يعد ضئيلاً عن الجبهة الرافضة مقارنة بوجود أكثر من 56 مليون ناخب داخل البلاد وخارجها.
فخلال ذلك الاستحقاق، بدا واضحا أن الأتراك مرورا من مرحلة الامتعاض من سياسات أردوغان إلى الاستياء والاحتقان، وهذا ما أظهره رفض التعديلات الدستورية حتى في المدن الكبيرة التي عادة ما كانت في السابق مصطفة وراء الرئيس التركي.
نتائج صادمة استبطنها ذلك الفوز الممزوج بمرارة الحنظل بالنسبة لأردوغان وهو يقف على رفض أغلبية سكان كل من أنقرة وإسطنبول وإزمير، إضافة إلى كل من ولاية هاتاي (لواء إسكندرون) وجناكالة وأضنة وأنطاليا وميرسين وغيرها من المدن، مقترح تعديلاته، أو بالأحرى منحه صلاحيات واسعة بمقتضاها.
ومقارنة بالانتخابات الرئاسية المقامة في أغسطس/آب 2014، فإن 6 ولايات ممن صوتت لأردوغان حينها بأغلبية ساحقة، رفضت النظام الرئاسي، بينها يولوفا (غرب) وأنقرة وأرتفين (شمال شرق) وبيلجيك وغيرها.
وفي محصلة غير متوقعة بالمرة، صوّتت 13 من البلديات الكبيرة لصالح التعديلات، فيما عارضتها 17 أخرى، لتنتهي العملية بفوز شكلي غارق في خسارة معنوية وسياسية مدوية، حيث خسر حزب أردوغان وحليفه "الحركة القومية" نحو عشر نقاط، مقارنة بالأصوات التي حصل عليها الحزبان مجتمعين في الانتخابات البرلمانية المقامة في نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
الانتخابات البلدية
اقتراع أظهر أن الشعب التركي بلغ مرحلة الغليان من خلال لجوئه إلى التصويت العقابي، معلنا بذلك رفضه الكامل للنظام، وتطلعه لحقبة جديدة.
انتخابات جرت نهاية مارس/آذار الماضي، وانتهت بهزيمة مدوية لمرشحي حزب أردوغان في كبرى المدن حتى في معاقله، من ذلك أنقرة وإسطنبول وإزمير، في ضربة قاصمة أثارت جنون الرئيس التركي الذي نزل بكامل ثقله ليجبر لجنة الانتخابات على إعادة التصويت في بلدية إسطنبول الكبرى.
كان يأمل بحدوث معجزة، بل بدا عاجزا عن استيعاب حقيقة أفول نجمه في مدينة تعد الشريان النابض للبلاد، وتعالت كلماته قبيل صدور النتائج صادحة: "من يحكم إسطنبول يحكم تركيا"، ولم يكن يعلم أنه يقدم استشرافا دقيقا للأحداث التالية.
وبالفعل، أضاءت الألعاب النارية، في 23 يونيو/حزيران الماضي، سماء إسطنبول، وتجمع عشرات الآلاف من الأشخاص في ساحتها الكبرى، للاحتفال بفوز مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو مجددا.
ومن فارق 13 ألف صوت في الاقتراع الأول، ارتفع فارق الأصوات إلى أكثر من 800 ألف، في رسالة مضمونة الوصول من الناخبين الأتراك، فحواها أن الشعب سئم من نظامه.
فقدان القاعدة الانتخابية
خسارة أردوغان بلدية إسطنبول وغيرها من المدن الكبرى، شكلت ضربة قاضية لحكومة حزب العدالة والتنمية، قبل أن يتبعها إعلان الكثير من رموز الحزب الحاكم الانشقاق عنه والسعي لتأسيس أحزاب جديدة، قد تقوم على أكتاف القاعدة الشعبية للعدالة والتنمية.
وفي تصريحات نقلتها صحف تركية معارضة، أكد بكير أغيردير، المدير العام لشركة "كوندا" لاستطلاعات الرأي والدراسات، تراجع القاعدة الشعبية لحزب أردوغان، مؤخرا، من 38 بالمائة إلى27%، وذلك على خلفية هزيمته الفاضحة في البلديات.
وتوقع أغيردير أن تشهد الفترة المقبلة تغييرات جذرية في ميزان القوى بالمشهد السياسي التركي، حيث ستظهر تشكيلات سياسية جديدة من المنتظر أن تشكل قشة النجاة بالنسبة للأتراك الغاضبين من سياسات أردوغان.
من جانبه، لفت المحلل السياس التركي، جواد جوك، إلى انشقاقات الكبيرة تهز الحزب الحاكم عقب خسارة الانتخابات المحلية، مشيرا إلى وجود تراجع شديد في شعبية حزب أردوغان.
وفي تصريحات إعلامية، قال جوك إن خسارة حزب أردوغان جاءت ردا على السياسات الخارجية والداخلية التي انتهجتها حكومته، خاصة منذ محاولة الانقلاب المزعوم، معتبرا أن الشعب التركي أعطى درسا لحكومة أردوغان عبر التصويت العقابي.