الحالة العربية ممثلة في الجامعة العربية تحولت من منظومة كان الهدف منها أن تكون فاعلة على الأرض ومؤثرة في مجرى الأحداث
عندما نتحدث عن الحالة التي تعيشها المنطقة العربية منذ عام 2003 نجد أن السبب الرئيسي خلف الحالة الفوضوية التي تعيشها المنطقة التي تحولت إلى ساحة للصراعات الدولية والطموحات والأطماع الإقليمية وبخاصة من قبل إيران وتركيا، هو "ضعف الدور العربي أو غياب المشروع العربي"، وهو الأمر الذي بلا شك ساهم في إعطاء الأطراف الدخيلة على المنطقة الفرصة للاستمرارية في تحقيق أطماعها وطموحاتها التوسعية والتخريبية.
والأمر الآخر -وهو الأكثر أهمية- التشديد على تطبيق "مخرجات القمة العربية" الذي هو الطريق نحو إعادة الهيبة إلى المنظومة العربية
الحالة العربية ممثلة في الجامعة العربية تحولت من منظومة كان الهدف منها أن تكون فاعلة على الأرض ومؤثرة في مجرى الأحداث إلى مجرد منظومة تكتفي بدور المراقب الذي يتابع الأحداث ويكتفي فقط بلغة التنديد والاستنكار، وهو بالتالي ما خلق حالة من الفراغ سعى المشروعان الإيراني والتركي إلى استغلالها وتوظيفها لمصلحة استمرارية مشروعاتهما وطموحاتهما التوسعية والتخريبية، وبالتالي نجد أن السبب الرئيسي في ظل ما تعيشه المنطقة هو "تعطيل دور الجامعة العربية" وتحويلها إلى منظومة غائبة عن الواقعية، تكتفي فقط بالوقوف عند حدود إصدار خطاب التنديد والاستنكار في محاولة فاشلة من قبل الجامعة العربية لإثبات وجودها في الملفات العربية.
منذ سقوط العراق عام 2003 والجامعة العربية غير قادرة على ملء الفراغ وإثبات وجودها، وبالتالي فعلى أقل تقدير نجد أن المنطقة العربية منذ عام 2003 مروراً بمرحلة التحول العربي "الربيع العربي" وهي تفتقد لوجود مشروع عربي يساهم في تضييق الخناق أو مجابهة المشاريع الدخيلة على المنطقة العربية، وهما المشروعان الإيراني والتركي، وهو بالتالي ما مهد الطريق أمام تسليم العراق لإيران، وصولاً إلى سوريا التي سعى الأتراك لتقوية موقعهم فيها لإيجاد موطئ قدم لإرساء قواعد مشروع العثمانية الجديدة الذي يتجلى بشكل واضح من خلال العبث التركي بالهوية السورية في الشمال السوري، ومحاولة تتريك الشمال السوري عبر القوة العسكرية.
ربما يمكن النظر إلى الحالة اليمنية على أنها تعكس مدى أهمية وجود مشروع عربي يقطع الطريق أمام أي مشاريع دخيلة على المنطقة، تحاول استغلال الحالة الفوضوية لمصلحة تثبيت وجودها وتحقيق طموحاتها التخريبية والفوضوية، فعندما ننظر إلى الملف اليمني نجد أنه يختلف عن الملف الليبي والسوري، والسبب يعود إلى وجود مشروع عربي ممثلاً في التحالف العربي بقيادة السعودية والذي ساهم إلى حد كبير في أن يقطع الطريق أمام التدخلات الخارجية في الملف اليمني على غرار الملف السوري والليبي وغيرهما من الملفات التي سعت الدول الدخيلة على المنطقة إلى الاستثمار في الحالة الفوضوية لتثبيت وجودها.
وبالتالي فإن النجاح الذي حققه المشروع العربي في اليمن من قطع الطريق أمام محاولات الإيرانيين والأتراك في الاستثمار في الحالة اليمنية لتثبيت وجودهما، يفرض على القوى العربية أن تتعامل مع كافة الملفات العربية بنفس الوتيرة التي تعاملت بها مع الملف اليمني، والعمل على استنساخ التجربة العربية الناجحة في الملف اليمني على كافة الملفات العربية، لأن هذا هو الطريق نحو قطع الطريق أمام محور الشر الإيراني والتركي من الاستثمار في حالة الصراعات العربية للدفع باتجاه تنفيذ مخطط تفتيت المنطقة العربية، وهذا لن يتحقق إلا عبر تفعيل دور الجامعة العربية التي أصبح لزاماً عليها في ظل الحالة العربية ومحاولات الأتراك والإيرانيين إلى عسكرة الصراعات والأزمات العربية أن تتعامل مع الملفات العربية من منطق تفعيل القوة العسكرية، وهذا يعيد للأذهان أهمية الخطوة التي طرحتها جمهورية مصر قبل أعوام من تفعيل القوة العربية المشتركة، لأن هذا هو الطريق نحو الانتقال في التعامل العربي مع الملفات العربية من منطلق الخطاب السياسي "غير المؤثر" الذي ينحصر على خطاب التنديد والاستنكار إلى دور أكثر فاعلية وتأثيرا على الأرض العربية.
والأمر الآخر وهو الأكثر أهمية التشديد على تطبيق "مخرجات القمة العربية" الذي هو الطريق نحو إعادة الهيبة إلى المنظومة العربية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد أنه في ظل العدوان التركي الأخير على الشمال السوري، تمخض عن اجتماعات الجامعة العربية قرار في غاية الأهمية، وهو "النظر في اتخاذ إجراءات ضد تركيا ومراجعة العلاقة معها"، ولكن هذه الخطوة لم تر النور، وهو بالتالي ما جعل الأتراك وغيرهم ينظرون إلى "مخرجات الجامعة العربية" بشيء من عدم الأهمية وغياب التأثير، وهو بالتالي ما ساهم في دفع الأتراك للاستمرارية في الاعتداء على السيادة العربية وذلك عبر البوابة الليبية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة