رحلة جيف بيزوس، أغنى إنسان في العالم، إلى الفضاء أول من أمس، استغرقت 10 دقائق و10 ثوانٍ، وكلفت نحو 550 مليون دولار عن كل دقيقة.
وجاءت الرحلة بعد تسعة أيام من رحلة الملياردير البريطاني ريتشارد برانسون على متن المركبة التي صممتها شركته "فيرجن غالاكتيك"، وذلك في إطار سباق المليارديرات إلى الفضاء، إذا أخذنا في الاعتبار أيضاً البرنامج الفضائي للملياردير إيلون ماسك، مؤسس شركة "سبيس إكس" والرئيس التنفيذي لشركة "تيسلا".
رحلتا برانسون وبيزوس على متن مركبتيهما إلى الفضاء دشنتا برنامج شركتيهما لإطلاق السياحة الفضائية أمام المقتدرين، وأثارتا اهتماماً وجدلاً واسعين.
بالطبع كان هناك من احتفى، مثل الرجلين، بالمغامرة وعدّها فتحاً لحدود الفضاء أمام الراغبين في الاستكشاف ولديهم الإمكانات لتوفير قيمة التذكرة التي لا يُتوقع أن تقل عن 250 ألف دولار، لكن الانتقادات كانت أعلى وأقوى لبرنامج يراه كثيرون إهداراً للثروات من رجال يتسابقون نحو الفضاء مبددين أموالاً طائلة كانت ستخدم البشرية أكثر لو أُنفقت للمساعدة في محاربة خطر الفيروسات والأوبئة والأمراض وتغيرات المناخ التي تحصد ملايين البشر، أو لو وُجهت نحو محاربة الجوع والفقر، أو لإنشاء صروح علمية أو صناديق لدعم التعليم مثلما كان يفعل كثير من الأغنياء في السابق ويفعل آخرون اليوم ممن يخصصون مليارات الدولارات لدعم برامج تساعد الناس في كوكبنا الذي يواجه كثيراً من الأزمات.
عضو الكونغرس الأمريكي، إيرل بلوميناور، وجه انتقاداته نحو الآثار البيئية لمثل هذه الرحلات السياحية الفضائية، وطالب بفرض ضرائب على تذاكرها أسوة بما يدفعه الناس عندما يشترون تذاكر السفر العادية على الطائرات.
وقال بلوميناور إنه سيعرض تشريعاً للمناقشة في الكونغرس لفرض ضريبة لتعويض تأثير التلوث الذي تُحدثه هذه الرحلات التي يُتوقع أن تزيد خلال العامين المقبلين.
آخرون وجدوا الفرصة لكي يثيروا مجدداً تهرب بعض الشركات التي يملكها مليارديرات من دفع الضرائب، وأشاروا مع رحلة بيزوس الفضائية إلى أن شركته "أمازون"، من بين الشركات العملاقة التي تحقق مبيعات بمليارات الدولار وتدفع ضرائب ضئيلة للغاية أو لا تدفع شيئاً على الإطلاق.
فعلى سبيل المثال، حققت "أمازون" دخلاً من المبيعات قدره 44 مليار يورو في أوروبا خلال العام الماضي، لكنها لم تدفع ضرائب أعمال على أساس أنها سجلت خسائر.
وفي أمريكا أيضاً واجهت الشركة انتقادات لأنها لم تتحمل عبئاً ضريبياً كافياً في السنوات القليلة الماضية، ولعامين متتاليين دفعت صفراً من الضرائب الفيدرالية للحكومة الأمريكية.
وحتى عندما سجلت ضرائب فيدرالية في عام 2019 بعد عامين متتاليين من عدم دفع أي ضريبة، واجهت انتقادات لأنها ستدفع 162 مليون دولار فقط مقابل دخل بلغ نحو 14 مليار دولار.
هذا الأمر قاد إلى اتفاق الشهر الماضي بين مجموعة الدول الصناعية السبع لفرض ضرائب لا تقل عن 15% على الشركات العملاقة، وهي خطوة موجهة بالأساس لشركات التكنولوجيا الكبرى التي تدفع ضرائب زهيدة رغم الأرباح الهائلة التي تحققها، مستغلة في ذلك آلية إنشاء مقراتها في دول، حيث معدل الضريبة على الشركات منخفض أو حتى منعدم.
كل هذه الانتقادات لن تمنع هؤلاء المليارديرات من تنفيذ أفكارهم وأحلامهم، فهم ينظرون إلى الأمور بطريقة مختلفة، وفيهم روح المغامرة، التي تجعلهم يتحدثون بثقة مفرطة عن مشاريعهم التي يقولون إنها تنظر بعين المستقبل.
بعد رحلته إلى الفضاء التي استغرقت نحو 50 دقيقة، قال برانسون: "نحن هنا لجعل الفضاء في متناول الجميع، وسنحوّل الجيل القادم من الحالمين إلى الجيل القادم من رواد الفضاء".
لكن هل حقاً سيضع هؤلاء المليارديرات الفضاء في متناول الجميع؟
برانسون وبيزوس وإيلون ماسك، الذي قيل إنه اشترى تذكرة على مركبة برانسون للسفر في رحلة قادمة، لا تمثل قيمة التذكرة الباهظة شيئاً بالنسبة إليهم، فالثلاثة ثرواتهم مجتمعة تقدَّر بنحو 370 مليار دولار، لكن كم من البشر يستطيعون دفع 250 ألف دولار أو أكثر للحصول على تذكرة؟
هناك بالتأكيد قلة لا تبالي وتملك القدرة لإنفاق مثل هذا المبلغ أو أكثر للقيام بمغامرة يتباهون بها في أحاديثهم.
خذ على سبيل المثال الثري الذي اشترى المقعد الوحيد الذي باعته شركة "بلو أوريغن" من بين المقاعد الأربعة المتاحة في الكبسولة التي أقلّت بيزوس.
ففي المزاد، الذي نظّمته الشركة لبيع تذكرة المقعد دفع هذا الثري الغامض، الذي لم يُكشف عن اسمه، مبلغ 28 مليون دولار كي يتمكن من الفوز بالمقعد.
المفارقة أنه لم يتمكن من الذهاب في الرحلة رغم أنه سدد المبلغ وقيل إن السبب تضارب في المواعيد بين الرحلة وموعد عمل آخر، وحل مكانه الطالب الهولندي أوليفر دايمان، البالغ من العمر 18 عاماً، والذي كان أحد المتنافسين في المزاد، واشترى له والده تذكرة في الرحلة الثانية، لكن الحظ خدمه ومنحه فرصة الرحلة الأولى.
7600 شخص شاركوا في المزاد واشترى بعضهم تذاكر للرحلات اللاحقة التي بدأت الشركة في تسويق تذاكرها بالفعل، وحسب المعلن فإنه ستكون هناك رحلتان قبل نهاية هذا العام، وقال بيزوس إنه باع ما قيمته 100 مليون دولار من التذاكر لهاتين الرحلتين.
أما شركة "فيرجن غالاكتيك" فأعلنت أن 600 شخص اشتروا تذاكر بالفعل لرحلاتها المقبلة.
وكان السعر الأصلي 200 ألف دولار قبل أن ترفعه الشركة لاحقاً إلى 250 ألف دولار، واضطرت الشركة إلى وقف مبيعات تذاكر رحلاتها في عام 2014 إثر تحطم أولى طائراتها الفضائية في أثناء رحلة تجريبية، لكنها تقول إنها سوف تستأنف المبيعات في وقت لاحق هذا العام.
ورغم الأسعار الخرافية للتذاكر، فإن الشركة لا يتوقع أن تحقق أرباحاً قبل 2028 إذا سارت الأمور حسب المؤمَّل، أما عن الدخل فيُتوقع أن يصل إلى نحو 1.3 مليار دولار بحلول 2030.
إيلون ماسك اختطّ طريقاً مختلفاً لشركته "سبيس إكس"، التي أنشأها في عام 2002، إذ لم يركز في البداية على موضوع السياحة الفضائية، بل على نموذج تجاري يعتمد تطوير الصواريخ وإطلاقها لصالح جهات أخرى تريد وضع أقمار صناعية في الفضاء أو إرسال معدات أو بشر إلى محطة الفضاء الدولية.
وتمكن بالفعل من إطلاق أكثر من 100 صاروخ ووقع عقوداً مع وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" وعقوداً عسكرية مع وزارة الدفاع، لكن شركته أعلنت أخيراً أنها ستطلق رحلة فضائية بركّاب نهاية العام الحالي، وستدور حول الأرض لأربعة أيام قبل أن تعود.
"ماسك" المهووس بالفضاء منذ الصغر يقول إنه يريد استكشاف النظام الشمسي، ويحلم بإنشاء مستعمرة على سطح المريخ تكون مأوى احتياطياً إذا واجهت الكرة الأرضية كارثة تهدد البشرية.
واستكشاف الفضاء كملجأ في ظل الكوارث، التي تواجه الأرض، قد لا يكون بعيداً عن تفكير بيزوس أو برانسون أو أيٍّ من المليارديرات الذين قد يسلكون هذا الطريق، لكن السؤال هو: ما الأسهل وأكثر واقعية: الهروب إلى الفضاء أم معالجة الأزمات التي تواجه الأرض؟
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة