من المتوقع أن يميل الطلب على النفط للانخفاض مع تزايد الالتزامات الدولية بسياسات مناخية لعالم بلا انبعاثات كربونية منتصف القرن الحالي.
ويأتي ذلك مع الاختراقات التكنولوجية مثل السيارات الكهربائية التي يزداد إنتاجها واستهلاكها بشكل مطرد وهو ما يقلل من استخدام النفط في قطاع النقل والمواصلات وهو قطاع رئيسي في استهلاك النفط، إضافة إلى تزايد استخدام الطاقات المتجددة لاسيما طاقة الشمس والرياح في توليد الطاقة الكهربائية بدلا من الفحم والنفط والغاز الطبيعي. ومع هذا فهذا الانخفاض لن يكون موحدا ولن يتم بنفس السرعة في كافة أقاليم العالم، وإنما ستظل هناك أقاليم مثل إقليم دول آسيا المطلة على المحيط الهادي التي ستشهد ارتفاعا كبيرا في الطلب على النفط وإن تقلص معدل نمو هذا الطلب كما تقدر بعض الجهات.
فوفقا لتقرير صدر عن شركة الاستشارات العالمية وود ماكينزي في يوليو الماضي، فإن الطلب على النفط في آسيا المطلة على المحيط الهادي وإن كان من المتوقع أن ينخفض بمقدار 1.8 مليون برميل يوميا على أساس سنوي في عام 2020 نتيجة لانتشار فيروس كورونا، إلا أن نمو الطلب على النفط في آسيا ما زال أمامه طريق طويل يجري فيه. فمع حلول عام 2040، يتوقع ارتفاع الطلب على النفط بمقدار 25% (9 مليون برميل يوميا) ليصل إلى 44.8 مليون برميل يوميا مقارنة بالمستوى الذي كان عليه في عام 2019.
وكان لانتشار كوفيد 19 والتوقعات الاقتصادية المتشائمة آثارها على المدى القريب على الطلب على النفط وقطاع التكرير في آسيا المطلة على المحيط الهادي. ولكن على المدى البعيد، فسوف يستمر الطلب على النفط قويا مدفوعا بالطلب المستقبلي على الانتقال وإنتاج البتروكيماويات. وسوف يكون الإقليم مسؤولا عن أكثر من نصف نمو الطلب العالمي على النفط في عام 2040.
ويقول، مدير البحوث في وود ماكينزي سوشانت جوبتا: على الرغم من أن الطلب سيستمر في النمو، فإن معدل النمو خلال العشرين عاما القادمة سوف يكون أقل من نصف المعدل المسجل خلال العشرين عاما الماضية، ويرجع هذا بشكل أولي إلى كفاءة أعلى في استخدام الطاقة، والاختراق المتمثل في السيارات الكهربائية والإحلال محل النفط في قطاع النقل.
ولهذا فإن التحدي الأكبر لمصافي التكرير في آسيا هو في تغطية نمو العجز في مواد التلقيم لصناعة البتروكيماويات. فمن المتوقع خلال العام 2020 أن يحدث نقص قدره 3 مليون برميل يوميا في مواد التلقيم، ولكن مع حلول عام 2027 فإن هذا النقص يمكن أن ينمو إلى 3.8 مليون برميل يوميا. والشرق الأوسط الذي يعد المصدر التقليدي لمواد تلقيم البتروكيماويات إلى آسيا، لن يكون قادرا على تغطية النقص في آسيا بالكامل، ومن المتوقع نمو الاعتماد على الواردات من أسواق أخرى مثل أوروبا والولايات المتحدة.
ومع نمو النقص في مواد تلقيم البتروكيماويات والنمو في الطلب على البنزين، يمكن لآسيا أيضا أن ترى نقصا هيكليا في البنزين في المدى الطويل. ومن المقدر أن يرتفع الطلب على البنزين بما يقرب من 2 مليون برميل يوميا بين عامي 2019 و2040. وما لم يتم إضافة طاقة تكرير جديدة وما لم يتم بناء أشكال تكرير مناسبة للتركيز على المنتجات الخفيفة، فإن كلا من مواد تلقيم البتروكيماويات والبنزين سوف يستمرا في تسجيل عجز.
وعلى النقيض من ذلك، فمع تباطؤ نمو الطب على الديزل في الصين، فإن الإقليم من المتوقع أن يشهد فائض ضخم من الديزل قد يصل إلى 1.5 مليون برميل يوميا.
وتواجه آسيا تحديا مزدوجا في تغطية النقص في المواد الخفيفة وأن تجد أسواق للصادرات من الفائض في نواتج التقطير المتوسطة. وهذا النوع من انعدام التوازن يعني أن على مصافي التكرير إعادة التفكير في أسواقهم التصديرية، وطاقة مصافي التكرير في المستقبل وأشكالها، وأنماط مواد تلقيم الكيماويات المستقبلية.
وفي الإجمال، تعد توازنات الإنتاج في آسيا على النقيض من أوروبا-التي تعد مصدرة لنواتج التقطير الخفيفة ومستوردة لمواد التقطير المتوسطة- لذا فإن هناك تكافلا طبيعيا، مع استمرار بقاء التحدي المتمثل في الانفصال الجغرافي. ولكن العجز في آسيا يمثل فرصا لنمو أكثر في تجارة الشرق مع الغرب وتغطية جزء من طلب آسيا المتنامي.
ومن أجل التواؤم مع التحول تجاه البتروكيماويات، فإن العديد من المصافي في آسيا تتحرك تجاه التكامل الأعمق مع الكيماويات. وموقع التكامل الناجح ينبغي أن يجد منطقة مثالية حيث يكون الموقع تنافسيا لمواد التلقيم من أجل التحول من مواد التلقيم إلى الكيماويات.
وفي المدى البعيد، سوف تكون آسيا المطلة على المحيط الهادي بحاجة إلى طاقة أكثر من التكرير للوفاء بالطلب، ولكن المعدل المطلوب من الطاقة الإضافية من المتوقع أن يمثل نحو نصف ما كان عليه خلال العشرين عاما الماضية. وتتوقع وود ماكينزي أن تتعافى هوامش التكرير في المدى الأطول لدعم الاستثمارات في طاقة التكرير في آسيا، ولكن بناء طاقة تكرير أكثر من الحاجة في آسيا سوف يعني المزيد من الترشيد في أوروبا.
وأخيرا، فمع تركز نمو الطلب في آسيا فإن هناك تحولا سيحدث في الطلب على النفط من الصين إلى الهند وجنوب شرق آسيا، وهذه المناطق سوف يكون عليها أن تأخذ زمام المبادرة في بناء طاقة تكرير جديدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة