على الرغم من تناقض سياسة الرئيس بايدن إلى حد كبير مع سياسة سلفه ترامب في العديد من التوجهات.
إلا أن المراقبين يلاحظون استمرارا ملحوظا في السياسة حينما يتعلق الأمر بتعامل الولايات المتحدة تجاه الصين. فقد استمرت الولايات المتحدة في إرسال السفن الحربية التي تتحدى المطالبات الصينية في بحر الصين الجنوبي، وقامت بفرض عقوبات على مسؤولين صينيين، وحافظت على اتصالات عالية المستوى مع تايوان. أما في المجال الاقتصادي والتكنولوجي فقد أبقت إدارة الرئيس بايدن على التعريفات الجمركية على السلع الصينية وعلى التحكم في بعض الصادرات الأمريكية ذات التكنولوجيا الفائقة للشركات الصينية.
ويبدو أن تركيز الإدارة الأمريكية خلال الفترة الماضية على جبهة حرب التكنولوجيا، حيث أقدمت الإدارة الأمريكية على عدة خطوات في هذا الطريق.
فقد أبلغت إدارة الرئيس بايدن بعض الموردين لشركة هواوي الصينية للتكنولوجيا بقيود أشد على بعض رخص التصدير التي تمت الموافقة عليها سابقا، لتحظر بعض المواد من الاستخدام في أو مع أجهزة الـ5G وقد بدأ هذا الحظر فعليا في شهر مارس/آذار الماضي.
وهذه القواعد الجديدة تعد أكثر وضوحا في حظر مكونات مثل أشباه الموصلات، والهوائيات، والبطاريات لأجهزة 5G، بما يجعل من الحظر أكثر تجانسا بين الشركات المرخص لها بالتصدير. فقد تلقت بعض الشركات في السابق رخصا تسمح لها بالحفاظ على شحن مكونات لشركة هواوي التي يمكن للشركة استخدامها في معدات الـ5G، بينما كان بعضها الآخر عرضة بالفعل لقيود أشد.
وكانت الشركات قد اشتكت من القواعد المربكة بعد أن أضافت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب شركة هواوي إلى قائمة الهوية، وهي القائمة التي تتطلب من الشركات الأمريكية الحصول على رخصة حكومية فيما لو أرادت بيع تكنولوجيا أمريكية أو حقوق ملكية فكرية للشركة الصينية العملاقة في مجال معدات الاتصالات. وقد اعتبر المسؤولون الأمريكيون الشركة كتهديد قومي للولايات المتحدة.
وتعد هذه الحركة إشارة إلى أن إدارة الرئيس بايدن تخطط للتحرك قدما لتحكم أشد في تصدير التكنولوجيا عما تم تطبيقه أثناء رئاسة ترامب، وبشكل أكثر عمومية تشير هذه الحركة إلى أن المسؤولين سيتابعون أمر التعهد بالتشدد مع الصين. وذلك في وعد باستخدام قائمة الهوية لمداها الكامل. وهناك الآن دعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لأن تكون الولايات المتحدة أكثر تشددا في نقل التكنولوجيا للصين، وتعكس القواعد الجديدة هذا الأمر.
شركات جديدة في قائمة الحظر
في شهر أبريل/نيسان المنصرم أضافت الولايات المتحدة سبع شركات صينية تعمل في مجال الحوسبة الفائقة إلى قائمة الهويات المحظور عليها تلقي صادرات من الشركات الأمريكية، متذرعة بممارسة هذه الشركات الصينية لأنشطة تتعارض مع الأمن القومي أو مصالح السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وقد أضيفت هذه الشركات إلى ما يعرف بقائمة الهوية، والتي تحظر على الشركات الأمريكية القيام بأعمال معها دون الحصول أولا على ترخيص من الحكومة الأمريكية.
وكان الرد الصيني على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية هو القول بأن الصين تعارض محاولات الولايات المتحدة للحفاظ على احتكارها لصناعة التكنولوجيا الفائقة ولاحتواء الصين بتوسيعها لمفهوم الأمن القومي. وأضاف "أن الطغيان الأمريكي لن يوقف أبدا تقدمنا في مجال التكنولوجيا الراقية، بل إنه سوف يحملنا فقط على أن نكون أكثر تصميما وعزما في تسريع ابتكاراتنا".
تشدد في حقوق الملكية الفكرية
إضافة إلى ما سبق فربما كان التطور الأهم في تصعيد الحرب التكنولوجية الأمريكية مع الصين هو ما يحدث في جانب حقوق الملكية الفكرية. فقد طالبت إدارة الرئيس بايدن الصين بأن تقوم بالمزيد في مجال احترام حقوق الملكية الفكرية للشركات الأمريكية، وأعلنت الإدارة أنها ستبقي على الضغوط التي تم تطبيقها خلال عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب "لـقمع الجرائم التجارية والتي تتراوح من سرقة حقوق الملكية الفكرية إلى التقليد والقرصنة الرقمية".
وجدير بالذكر أن القوانين الصينية الخاصة بجرائم براءة الاختراع، وحقوق النشر والطبع والقانون الجنائي قد تم تعديلها في العام الماضي.
ويقوم المسؤولون الأمريكيون بمراجعة الإجراءات التي اتخذها ترامب ضد الصين والتي أشعلت الحرب التجارية بين أكبر اقتصادات العالم. وقد انتقد بايدن ترامب على استراتيجيته التي تذهب فيها الولايات المتحدة منفردة ضد بكين، ولكن البيت الأبيض أشار في الأسابيع الأخيرة إلى استعداده الإبقاء على تطبيق الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية المشددة.
وقد رددت الممثلة التجارية للولايات المتحدة كاثرين تاي مرارا قولها بأنه على الصين أن تفي بالوعود التي قطعتها على نفسها في اتفاق المرحلة 1 التجاري الذي تم في ظل الإدارة الأمريكية السابقة في بداية عام 2020.
وفي اتفاق المرحلة 1 التجاري تعهدت الصين بمكافحة سرقة الشركات الصينية لحقوق الملكية الفكرية الأمريكية، وأن تبذل المزيد من أجل تطبيق حقوق الملكية الفكرية في البلد. ووعدت الصين أيضا بشراء منتجات أمريكية ولكنها قصرت عن تحقيق أهداف الاتفاقية التجارية مع انتشار فيروس كورونا في العالم واضطراب سلاسل الإمداد.
وبينما مثل الاتفاق التجاري هدنة ضد أي تصعيد للحرب التجارية بين البلدين، إلا أن الجمارك أبقت على سلع صينية تصل قيمتها إلى 335 مليار دولار سنويا.
وقد استخدم ترامب التحكم في الصادرات ضمن إطار مكتب وزارة التجارة للصناعة والأمن، للحد من تصدير التكنولوجيا الأمريكية الراقية إلى الصين. ومن الواضح أن الرئيس بايدن يتابع على نفس الطريق، بتوسيع الإجراءات التي بدأت في ظل رئاسة ترامب بفرض قيود على الصادرات لشركات صينية مثل شركة هواوي للتكنولوجيا وغيرها من الشركات.
وبحكم القانون فالممثل التجاري الأمريكي يقوم بتحديد الدول التي لا تحمي بشكل كاف حقوق الملكية الفكرية، أو تنكر على الشركات الأمريكية المتمسكة بحقوقها في ملكيتها الفكرية حرية الدخول للسوق. حيث تشترط الصين على الشركات الراغبة في العمل في السوق الصيني أن تسلم أسرارها التكنولوجية قبل الدخول للسوق. ويمكن للممثل التجاري الأمريكي أن يشرع في التحقيقات ضد الدول التي تحتل أولوية القائمة، وذلك في إطار القسم 301 من القانون التجاري الأمريكي لعام 1974. وكانت إدارة ترامب قد استخدمت هذا القسم من القانون للتحقيق بشأن الصين. وقد فرض الرئيس ترامب تعريفة جمركية مرتفعة على المنتجات الصينية في عام 2018.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة