أثرت عودة تفشي فيروس كورونا بضراوة في الهند على توقعات الطلب على النفط على المستوى العالمي.
كون الهند هي ثالث أكبر مستورد عالمي للنفط، مما مثل ضغطاً على ارتفاع الأسعار الذي كان سارياً في الأسواق.
ومع تدخل تحالف أوبك+ بخفض العرض في الأسواق تجاوباً مع الضغط على الطلب الناجم عن تفشي الجائحة، فقد نجح التحالف نسبيًّا في الحد من وجود مخزون وفير من النفط لدى الدول المستهلكة الرئيسية قبل استعادة الأسواق لتعافيها، وقد تمثل هذا النجاح في انخفاض شديد في مستوى المخزون التجاري العالمي، وهو ما سنعود له لاحقاً، وارتفاع ملموس في أسعار النفط حيث وصل سعر برميل النفط من نوع برنت الخام إلى ما يقرب من 70 دولاراً. وأتى تفجر الجائحة في موجة جديدة في الهند مؤخراً ليعمل على تهدئة الارتفاع في الأسعار.
وعلى الرغم من تأثير التطور الهندي فإن أغلب المراقبين والمحللين يرون أن ارتفاع الأسعار سيستمر خلال الفترة المقبلة، ويضع البعض السؤال ليس في هيئة ما إذا كانت ستتحسن الأسعار أم لا؟ بل يرون أن السؤال الصحيح هو: ما مدى السرعة في تحسن الأسعار؟ وما هي الذروة التي قد تبلغها؟
كانت موجة الإغلاقات التي تمت في أوروبا في مواجهة الموجة الثانية من تفجر الجائحة عنصراً مهمًّا أيضاً في تحديد مستوى الأسعار؛ إذ إن العديد من الدول الأوروبية كانت قد أعلنت عن إغلاقات للكثير من الأنشطة الاقتصادية خلال شهر أبريل الماضي، وهو ما عطل عملية تعافي أسعار النفط. ولكن الآن وبينما الهند تعاني من أسوأ موجة من الإصابات والوفيات منذ تفشي الجائحة، بدأت أوروبا في التخلص من الإغلاقات. وهناك مقترحات بتيسير عملية السفر من القيود التي كانت موضوعة أمامها في دول أوروبا الموحدة السبع والعشرين خلال فصل الصيف. وسوف يُزيد هذا من الطلب على وقود الطائرات وهو مكون محوري في الطلب على النفط.
وفي الولايات المتحدة تتقلص معدلات الإصابة بالفيروس بينما تتزايد أعداد مَنْ تم تطعيمهم، ونتيجة لهذا قامت العديد من الولايات بتخفيف القيود وهو ما سوف يلقي بظلاله على الطلب على النفط ومن ثم على الأسعار.
كانت وكالة الطاقة الدولية التي تضم الدول المستهلكة الرئيسية للنفط في العالم في منتصف أبريل الماضي، قد قامت بمراجعة توقعها للطلب على النفط هذا العام، وقدرت أن الطلب سوف يزيد بنحو 5.7 مليون برميل يوميا مقارنة بالعام الماضي، ليصل إلى 96.7 مليون برميل يوميا. وكان السبب وراء هذه المراجعة التي زادت من الطلب المتوقع هو توقع زيادة الطلب في الولايات المتحدة والصين، أكبر مستهلكين ومستوردين للنفط في العالم.
بينما ترى إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن الطلب العالمي على النفط سيبلغ 97.7 مليون برميل يوميا هذا العام. وقدرت إدارة المعلومات أن سعر برميل برنت سيظل قريبا من 65 دولارا خلال الربع الحالي من العام، وقدرت أن يبلغ في المتوسط نحو 61 دولارا خلال النصف الثاني من العام الحالي، و60 دولارا خلال العام المقبل.
وعلى خلاف التوقعات السابقة، يذهب بنك جولدمان ساكس إلى أن الأوضاع ستكون أفضل، وأن برميل النفط ربما يصل إلى 80 دولارا، ويرى أن السبب وراء هذه النظرة المتفائلة هو أن التغير المتوقع في كمية الطلب لن يتم تغطيته من قبل العرض المتوقع، ولذا فالنتيجة هي الارتفاع في السعر.
وترى إحدى محللات شؤون النفط في شركة ريستاد أن الطلب على النفط سوف يزيد بمقدار 3 ملايين برميل يوميا حتى نهاية يونيو المقبل، بغض النظر عن الاضطرابات التي يفرضها وضع الهند، ولذا فمن وجهة نظرها سوف تشق أسعار النفط طريقها لتسجل 70 دولارا للبرميل مرة أخرى خلال الشهور المقبلة.
ويرى محللون آخرون أنه مع زيادة عدد مَنْ يتم تطعيمهم سوف يلقي ذلك بآثاره الإيجابية على سوق النفط؛ فمع عودة الناس لممارسة حياتهم العادية وفتح النشاطات الاقتصادية بالكامل سوف تؤدي زيادة الطلب على النفط إلى وصول برميل النفط من نوع برنت إلى 75 دولارا للبرميل خلال النصف الثاني من هذا العام.
وعلى الرغم من عدم اليقين الذي يحيط بكافة التوقعات فإن الاتجاه الحالي الذي يوضح انخفاض مستوى المخزون لدى الدول المستهلكة علامة على زيادة الطلب، بينما ما زالت أوبك+ تتحكم بالعرض إلى حد بعيد، فمستوى المخزون التجاري (أي دون الأخذ في الاعتبار المخزون الاستراتيجي) لدى الدول المستهلكة هبط بشدة إلى ما يزيد بنحو 57 مليون برميل فقط عن متوسط هذا المخزون خلال خمس سنوات بنهاية فبراير الماضي. ومن المنتظر أن يكون قد هبط أكثر، ويقدم لنا مستوى المخزون في الولايات المتحدة الذي يعلن أسبوعيا الدليل على الانخفاض الشديد في مستوى المخزون، فحتى يوم 30 أبريل الماضي هبط المخزون التجاري في الولايات المتحدة ليسجل 485.1 مليون برميل وهو ما يقل بنحو 2% عن متوسط هذا المخزون خلال خمسة أعوام في مثل هذا الوقت من السنة. وإضافة إلى ذلك فقد هبط المخزون من مادة البنزين ليقل أيضا بنحو 2% عن متوسط المخزون من البنزين خلال خمس سنوات. كما أن المخزون من منتجات التقطير المتوسطة التي تشمل الديزل انخفض هو الآخر بمقدار 2% عن متوسط خمسة أعوام، وهو ما يعني انخفاضا ملموسا في مخزون الخام والمنتجات على حد سواء، وهو ما يعني إفساح المجال أمام احتمالات ارتفاع الأسعار.
وهكذا يرى البعض أن تفجر الفيروس مرة أخرى في الهند لن يحول دون التعافي في الأسعار، ولكنه من المحتمل جدا أن يُبطئ نسبيا من مدى هذا التعافي حتى النصف الثاني من العام الحالي أو حتى لبداية أو منتصف العام المقبل.
وتتنوع التوقعات كما رأينا، وإذا ما أهملنا توقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن يسجل سعر برميل النفط 65 دولارا في المدى القصير و61 دولارا خلال النصف الثاني من العام، كون السعر المتحقق في الأسواق لنوع برنت يزيد عن هذا المستوى بالفعل، فتوقع مدى يتراوح بين 70 إلى 80 دولارا للبرميل ربما يكون التوقع الأقرب من وجهة نظرنا للسعر خلال الأشهر المقبلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة