استقبلت موسكو خلال الأسابيع الماضية العديد من الأطراف اللبنانية..
بدءاً من وفد من حزب الله برئاسة محمد رعد، مروراً برئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وصولاً إلى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، في المقابل بدت المبادرة الفرنسية تسير نحو حتفها، ولاسيما بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية لودريان إلى بيروت، ولعل تهديده العلني بفرض إجراءات وعقوبات ضد مسؤولين لبنانيين أوحى بفشل أكيد لهذه المبادرة، وهو ما يوجه الأنظار إلى الدور الروسي في لبنان، وإمكانية أن تصبح موسكو مرجعية دولية للأزمة اللبنانية في المرحلة المقبلة، فما الذي يدفع موسكو للانخراط في الأزمة اللبنانية؟ وما الأهداف التي تسعى إليها؟ وما العوامل التي قد تساعدها في إنجاح دورها؟
في الواقع، ثمة أسباب كثيرة تجعل دور موسكو حيويًّا في لبنان، خاصة أن من يقود هذا الملف هو المبعوث الرئاسي الروسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوجدانوف العارف جيداً بشؤون لبنان وطوائفه وتعقيداته، وعندما تتوثب موسكو نحو لبنان بهذا الشكل فإنها تضع نصب عينيها مجموعة من الأوراق والعوامل والمصالح لجعلها مرجعية للأزمة اللبنانية، ولعل من أهم هذه الأوراق والمحفزات:
1- أن النفوذ الروسي الكبير في سوريا يدفعها إلى القيام باستكمال دورها في لبنان، على اعتبار أنهما يشكلان معاً منطقة جغرافية تشكل دائرة واحدة من المصالح الأمنية والسياسية والاقتصادية، وهنا تتطلع موسكو إلى جعل لبنان منصة لإعادة إعمار سوريا في المرحلة المقبلة.
2- أن الدور الروسي في لبنان يلقى قبولاً سوريًّا وإسرائيليًّا وإيرانيًّا بحكم علاقات موسكو الجيدة مع هذه الأطراف، فإيران تتجنب الصدام مع موسكو وإن كان التنافس بينهما قائماً في سوريا، كما أن إسرائيل قد ترى في هذا الدور دوراً ضامناً لتجنب الصدام مع حزب الله وضبطه.
3- أن التوجه الروسي نحو لبنان يتجاوز التطلع إلى حل سياسي للأزمة اللبنانية، إلى المصالح الاقتصادية المتعلقة بالطاقة بالدرجة الأولى، فوجودها في البلوك 4 البحري في الجنوب ليس سوى خطوة في إطار نظرتها إلى ساحل المتوسط الممتد من اللاذقية في سوريا إلى الجنوب اللبناني، مروراً بطرابلس التي تنشط فيها الشركات الروسية.
4- أن المقاربة الروسية الهادئة للأزمة اللبنانية تتجنب الاصطفاف إلى جانب هذا الطرف اللبناني أو ذاك، وأساساً لا يوجد لروسيا جماعات خاصة في لبنان كما هو حال إيران، وإنما تنطلق من مقاربة وطنية تشمل الجميع، وهو ما قد يلقى قبولاً لدى كافة الأطراف اللبنانية التي ترنو إلى حل سياسي يُخرج لبنان من محنته، بعد أن فشل الجميع في إيجاد حل سياسي لأزمته.
5- أن الدول الغربية -ولاسيما الأوروبية- التي تخشى من أن يؤدي تفجر الوضع في لبنان إلى موجة نزوح كبرى من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين إليها، قد تتعاطى إيجابيًّا مع الدور الروسي في لبنان، وهو ما قد يمنع أي تعارض فرنسي - روسي، بل قد يدفع بهما إلى التعاون وصولاً إلى طرح مبادرة مشتركة لحل الأزمة اللبنانية تشكل مخرجاً لفشل المبادرة الفرنسية.
6 - إن ما يشجع موسكو على المضي في جهودها بخصوص الأزمة اللبنانية ولو بشكل هادئ ومدروس بعيداً عن الاندفاعات غير المحسوبة، هو عدم الاهتمام الأمريكي بالشأن اللبناني كثيراً، وهنا يأخذ الدور الروسي شكل ملء الفراغات الدولية والإقليمية في التأسيس لدور مقبول داخليًّا وخارجيًّا في الأزمة اللبنانية. من دون شك، المعطيات السابقة تعطي قوة دفع لدور موسكو في لبنان، وتجعل منه قوة ضاغطة على الأطراف اللبنانية، سواء في التوجه نحو تشكيل حكومة برئاسة الحريري، أو في دفع الأخير نحو الاعتذار؛ بحثاً عن مرشح آخر لتكليف حكومة جديدة تكون مهمتها الأولى إنقاذ لبنان من الانهيار.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة