الشرق الأوسط المنطقة التي أدمنت النزاعات والحروب، وأصبحت صراعاتها لا تحل، وإشكالاتها لا تنتهي.
ليس فقط بسبب ما فيها من تناقضات سياسية وتاريخية ودينية، ولكن أيضاً للأدوار غير البريئة للقوى الدولية فيها، وبالتالي فإنه يبدو واضحاً أنه لا مستقبل لدول هذه المنطقة إلا بالتعايش والسلام لحماية مصالح الجميع.
دول المنطقة المؤثرة بدأت تدرك جيداً ضرورة التفاهم حول أمن المنطقة، وتسوية الصراعات القائمة لصالح مستقبل المنطقة وشعوبها، ولن يتم ذلك دون مفاوضات مباشرة وصريحة تكون فيها جميع الأطراف قادرة على تقديم تنازلات من شأنها خلق اختراقات حقيقية تصنع الفارق.
أول هذه الاختراقات كانت معاهدة السلام التاريخية بين كل من الإمارات ثم البحرين مع إسرائيل، والتي جاءت على أسس واضحة، من بينها إيقاف الضم الإسرائيلي لأراضي الضفة الغربية، وإيجاد رؤية واضحة لتحقيق المصالح الاقتصادية والتكنولوجية، وتعزيز الاستقرار والسلام وقيم العيش المشترك في منطقة الشرق الأوسط.
وبعد فترة قصيرة كانت قمة العلا في السعودية التي شهدت عودة العلاقات الدبلوماسية بين كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر مع قطر، بعد مقاطعة استمرت لأكثر من ثلاث سنوات لتعود العلاقات الدبلوماسية بالتدريج.
وفي الأسابيع الماضية شاهدنا الموقف التركي المفاجئ تجاه مصر، وقرارها وقف البرامج الإعلامية المسيئة لمصر التي تبث من أراضيها، وتصريح الرئاسة التركية بأن ثورة 30 يونيو كانت تعبيراً عن رغبة الشعب المصري في التغيير، وأن تركيا لم تفهم ذلك بالقدر الكافي وقتها. واستمرت أنقرة في التودد والتقرب من القاهرة، وأرسلت وفداً يرأسه وزير خارجيتها للتفاوض بشأن عودة العلاقات مع القاهرة، وأبدت استعدادها التام للتعاون الأمني والاستخباراتي والسياسي والدبلوماسي مع مصر.
ولم يتوقف التودد التركي عند مصر وحدها؛ إذ خرجت تصريحات أخرى مفاجئة مفادها أن تركيا ترغب في تحسين العلاقات مع دول الخليج، لتتوجه هذه المرة باتجاه السعودية تحديداً في تصريح لمتحدث الرئاسة التركية بأن بلاده تحترم القضاء السعودي، وتحترم الحكم القضائي الصادر بخصوص قضية جمال خاشقجي، ولترسل بعدها وفداً يرأسه وزير خارجيتها إلى الرياض بهدف تحسين العلاقات السياسية والتجارية مع السعودية ودول الخليج.
ولعل الاختراق الكبير الذي زاد من حالة التفاؤل في المنطقة هو التصريحات الإيجابية السعودية والإيرانية، حيث أكدت العمل على خفض التوتر في المنطقة. هذه المرة التصريحات بين الرياض وطهران جديدة ومختلفة، فهي مباشرة، ومؤكد أنها لا تنفي كل سياسات إيران المعادية للدول العربية، ولكن إيران كدولة جارة بحكم الجغرافيا، فإنه بالإمكان حين تتخلى عن ممارساتها العدائية أن يتم التعاون معها فيما يخدم بلدان المنطقة وشعوبها، وهذه فرصة جيدة جدا لفتح صفحة إيجابية ومختلفة بين السعودية وإيران ليزداد معدل التفاؤل الحذر في المنطقة.
وإذا كان السلام قد تحقق وأصبح واقعاً بين بعض الدول العربية وإسرائيل، فلنا أن نتخيل الآثار الإيجابية الممكنة والمتوقعة في حالة نجاح إعادة العلاقات بين الدول العربية مع تركيا وإيران شرط أن تصدق النوايا، وتحترم سيادة دول المنطقة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي منها.
السياسة تتغير طبقاً لما تفرضه ظروف الواقع، واليوم هناك فرصة سانحة لإعادة قراءة الموقف العام في المنطقة، والتطلع إلى مستقبل أفضل والبناء على المصالح المشتركة. ويبقى السؤال الأهم: هل يمكن تحقيق السلام في الشرق الأوسط؟ قد تبدو الإجابة عن هذا السؤال صعبة الآن، فنحن بانتظار الخطوات العملية التي تأتي بعد التصريحات الإيجابية، والأيام القادمة كفيلة بالإجابة عن ذلك بشكل عملي وواضح.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة