أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن في 18 أبريل/نيسان 2021 قراره بسحب القوات الأمريكية الموجودة في أفغانستان ابتداءً من أول مايو/أيار.
على أن تستكمل انسحابها يوم 11 سبتمبر/أيلول من نفس العام، أي في الذكرى العشرين للهجوم على مركز التجارة العالمي ومقر البنتاجون، الذي أعقبه التدخل العسكري الأمريكي لإسقاط حكومة طالبان وإنشاء نظام سياسي جديد.
بقيت القوات الأمريكية في أفغانستان ضعف مُدة الوجود العسكري السوفيتي في هذا البلد (1979-1989). وهكذا، فإن التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان يُعد أطول الحروب مُدة في التاريخ العسكري الأمريكي. لم يكن القرار الذي أعلنه بايدن جديداً، وإنما جاء تأكيداً لقرار سلفه الرئيس ترامب الذي اتخذه في أعقاب المباحثات التي تمت مع مسؤولي طالبان في فبراير/شباط 2020، والذي كانت -وفقاً له- تنسحب القوات الأمريكية مع حلول أول مايو/أيار 2021. ومنذ إعلان القرار، ظهرت عشرات التحليلات ما بين مؤيد ومتحفظ.
يؤكد المؤيدون للقرار أن الولايات المتحدة قد حققت أهدافها التي تمثَّلت في مُعاقبة تنظيم القاعدة الذي نفَّذت عناصره هذا الهجوم، والحيلولة دون أن يقع مثل هذا الهجوم على أمريكا مرة أخرى. والدليل على هذا نجاح الوحدات الخاصة للجيش الأمريكي في مايو/أيار 2011 في قتل أسامة بن لادن زعيم القاعدة والعقل المُدبِّر للهجوم، وفي شن حرب شاملة ضد وجود هذا التنظيم في مختلف بلاد العالم لإضعافه وتفكيك أوصاله، وأنه تمت إقامة نظام حُكم ديمقراطي في أفغانستان وإدخال العديد من مظاهر التحديث في المجتمع مثل إنشاء مدارس للبنات وخروج المرأة للعمل.
ويُضيف المؤيدون أن مغادرة القوات الأمريكية سوف تُنهي ادعاء طالبان بأنها تحارب ضد "الأجانب الكفار"، وتقلل من قدرتهم على تعبئة الناس ضد حكومة كابول التي يدَّعون أنها تستقوي بوجودهم. وأخيراً، يقول المؤيدون إن أمريكا لا تستطيع أن تحارب في أفغانستان إلى ما لا نهاية، وإنه آن الأوان لرحيل قواتها، خاصةً مع تزايد التكلفة البشرية والمادية لهذا الوجود.
فقد وصل عدد القتلى من الجنود الأمريكيين إلى 2500 جندي تقريباً، كما قُتل 111 ألفا من الأفغان خلال الفترة من 2009 وحتى 2021 حسب تقدير بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان، هذا فضلاً عن التكلفة المالية التي قاربت 2 تريليون دولار.
أما المتحفظون على هذا القرار، فإنهم يُشيرون إلى أن حركة طالبان ما زالت تسيطر على ما يقرب من ثلثيْ مساحة أفغانستان، وأنه مع انسحاب القوات الأمريكية، فإن عودتها لتولِّي الحكم هي مسألة وقت، ويدللون على ذلك بتمكن قوات طالبان يوم الأربعاء 12 مايو/أيار 2021 من السيطرة على منطقة نيرخ بولاية ورداك التي تبعد نحو 40 كيلومتراً عن العاصمة. ويُضيفون أن الحكومة الأفغانية لا تمتلك القدرة على الحفاظ على استمرارها أو أنه في أحسن الأحوال سوف تدخل البلاد في حالة حرب أهلية وفوضى أمنية تكون نهايتها استيلاء طالبان على الحكم. وأنه إذا حدث ذلك فإنه يعني أن كل ما فعلته أمريكا في أفغانستان سوف يتحول إلى رماد.
ولذلك وصف جون بولتون مستشار الأمن القومي للرئيس ترامب القرار بأنه خطأ فادح وفشل في القيادة. ويُثير المتحفظون المخاوف بشأن مصير آلاف الأفغان الذين تعاونوا مع الأمريكيين وشاركوا في تنفيذ برامج التحديث التعليمي والاجتماعي والذين سيكون مصيرهم القتل على يد قوات طالبان باعتبارهم "خونة".
تبقى قضية أخرى يُثيرها المتحفظون على القرار، وهي أهمية استمرار الوجود الأمريكي في هذه الرقعة الاستراتيجية من العالم، وأهميتها لجمع المعلومات عن أنشطة حركات التطرف والإرهاب التي تنتشر في أفغانستان وباكستان. وهو الأمر الذي أشار إليه مدير وكالة الاستخبارات المركزية في شهادته أمام مجلس الشيوخ يوم 30 أبريل/نيسان. وأن الانسحاب الأمريكي يوفر فرصة لازدياد نفوذ إيران التي تجمعها مع أفغانستان حدود مشتركة تبلغ 965 كيلومترا. كما يوفر البيئة المناسبة للتخطيط لهجمات إرهابية مصدرها أفغانستان.
وبعيداً عن الاختلاف في وجهات النظر بين المؤيدين والمتحفظين، فقد أعلنت طالبان "الانتصار" وأن "المقاربة الأمريكية في أفغانستان دخلت في طريق مسدود فلم يكن لها خيار سوى الانسحاب".
لا شك أن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان يُمثِّل تطوراً مهماً له مزاياه ومحاذيره. فهناك احتمال أن تستكمل القوات الأمريكية انسحابها بصورة كاملة، وهناك احتمال ثان، وهو أن تبقى أعداد منها تحت اسم مستشارين ومدربين، وهناك احتمال ثالث وهو أن يُغيِّر الرئيس الأمريكي قراره إذا ما قامت طالبان بأعمال عدائية تهدد المصالح الأمريكية.
وأفضل ما يمكن أن يحدث هو الاستعداد من الآن وحتى 11 سبتمبر/أيلول لتنشيط الحلول السياسية بين الحكومة وطالبان والوصول إلى شكلٍ لاقتسام السُلطة بينهما يكون من شأنه تحقيق السلام والاستقرار السياسي والاجتماعي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة