بقدر ما هو مؤلم التكرار التاريخي لما تتعرض له القدس من انتهاكات على يد قوات إسرائيلية..
وتلاقف القضية الفلسطينية بين أيدي الأحزاب والفصائل المنقسمة، كلٌ حسب مصالحه وأهوائه، يتكرر سيناريو المزايدة على القضية ومواقف دول الخليج تجاهها.
ارتفاع صوت الإنكار لما تم على مدار الزمن من دعم، سواء بالشجب والتنديد على منابر الأحداث الدولية الكبرى أو بالدعم المادي وضخ المليارات لمساعدة الشعب الفلسطيني واللاجئين والمحتاجين، لهو أمرٌ يكاد يكون أشبه بالجحود والنكران الذي يلعب على أوتاره الحاقدون وجيوش الذباب لتأجيج صفو العلاقات على صعيد الشعوب والحكومات، فيحدث ذلك الشرخ العميق في الصف العربي الذي يعاني من الويلات والأزمات ما لا ينبغي تحميله أكثر عن ذلك.
وكامتداد طبيعي لما سنّه المؤسس الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيّب الله ثراه- تحافظ الإمارات على دعمها المستمر لحقوق الشعب الفلسطيني في استعادة حريته وإنهاء الاحتلال لأرضه، وتآزره في صموده من خلال المساعدات المالية والإنسانية.
وهنا يتوجب التذكير بأن الإمارات جاءت في المرتبة الرابعة بين أكبر 10 دول داعمة مالياً لدولة فلسطين منذ قيام السلطة الفلسطينية عام 1994.
وحسب معطيات المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار "بكدار"، قدمت الدولة مساعدات بقيمة 2 مليار و104 ملايين دولار أمريكي إلى الشعب الفلسطيني منذ قيام السلطة الفلسطينية، والحسبة لم تشمل ما قدم من مئات ملايين الدولارات عبر وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
المزايدة باتت منقضية، ونبرة الأخ الكبير الذي يرى نفسه أحق من باقي إخوته في الدلال والدعم لم تعد مجدية في زمن ارتفع فيه صوت الحكمة والمصالح المشتركة على أصوات العاطفة واللطم المتواتر، وذلك لا يعني أيضاً تخلي الصديق عن صديقه بمجرد اتساع الدائرة، ولكن ما يجب أن يبقى ثابتاً هو المبدأ الذي يرن جرسه كلما اقترب الخطر نحو الحدود الإنسانية المتعارف عليه ديناً وخلقاً وشرعاً وعرفاً.
صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وفي كلمة وجهها إلى الجالية الفلسطينية أغسطس/آب الماضي أكد استمرار الإمارات في دعم القضية الفلسطينية، وهو ما اعتبره سموه موقفا نابعا من قناعة متجذرة ولا تغيره أي اعتبارات ويستند إلى دعمه للموقف العربي الداعي لقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
هكذا تأكيد يتجاوز ما يظنه البعض من أن العلاقة مع إسرائيل مؤخراً قد تؤثر على الموقف الإماراتي إزاء القضية الفلسطينية، وغرد المغرضون خارج السرب كثيراً للعب على أوتار هذه العلاقات، وقد أدى إلى ذلك عوامل كثيرة، المؤكد منها هو التشويش المتعمد على صفو العلاقات الأخوية بين البلدين والشعبين وعوامل أخرى كالمبالغة في ردود الفعل الشعبية تجاه التطورات الأخيرة والتعمد السطحي نحو إثارة الغيظ الذي لا يذهب إلى أبعد من أفراد لا يملكون وعياً كافياً بطريقة التعبير عن عواطفهم الوطنية وتوجيهها بحياد.
ورغم كل هذه المناوشات والتراشقات لن تحرك القضية ساكناً ما لم تؤخذ صوب الحل السلمي العادل المستند إلى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومبادئ مؤتمر مدريد، ومبادرة السلام العربية.. ولن تثني المحاولات السير قدماً نحو دعم الجهود والمبادرات التي تهدف إلى خلق بيئة مناسبة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة