قرر الاتحاد الأوروبي عدم التصعيد والتوصل إلى هدنة مع الولايات المتحدة بشأن زيادة الرسوم الجمركية على وارداته من بعض السلع الأمريكية.
حيث كان من المنتظر مضاعفة الرسوم الجمركية عليها في الأول من يونيو المقبل. وينظر إلى هذه الخطوة على أنها بادرة حسن نية تستبق القمة الأوروبية الأمريكية التي ستعقد خلال الشهر المقبل، وستكون أول زيارة خارجية للرئيس الأمريكي منذ تولي منصبه في شهر يناير الماضي.
أصل الخلاف
فرضت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب رسوما جمركية قدرها 25% على واردات الصلب و10% على واردات الألومنيوم في مارس 2018. ومن أجل تسويغ فرض هذه الرسوم كانت قد بدأت سلسلة تحقيقات أولية أمر بها وزير التجارة الأمريكي في شهر أبريل 2017 للنظر فيما إذا كانت واردات الولايات المتحدة من الصلب تشكل تهديدا للأمن القومي الأمريكي، وفقا للمادة 232 من ملحق قانون التجارة الأمريكي لعام 1962. وقد أشارت الوزارة إلى ارتفاع "هائل" في واردات الصلب خلال العام 2017 وتعطل نحو 30% من الطاقة الإنتاجية الأمريكية للصلب مع تغطية الواردات لحوالي ربع الاستهلاك الأمريكي.
وكانت خلاصة تقرير وزارة التجارة بشأن واردات الصلب تشير إلى أنه ليس هناك أي شك حول تأثيرها على الأمن القومي، إذ جادلت الحكومة بأن الصلب مهم في صناعة الدفاع، حيث يدخل في صناعة السفن الحربية والغواصات، كما أن هناك أنواعا معينة من الصلب المخصوص تدخل في صناعة الطائرات المقاتلة.
وبينما أكد الاتحاد الأوروبي أنه لا يشكل أي خطر على الأمن القومي الأمريكي، كونه حليف سياسي وعسكري تاريخي للولايات المتحدة، إلا أن الرسوم الجمركية استمرت على المنتجات الأوروبية ولم يتم رفعها سوى عن كندا والمكسيك، ثم لاحقا عن البرازيل وكوريا الجنوبية بعد تفاوضهما من أجل الوصول إلى صفقة تكفل عدم فرض رسوم جمركية على منتجاتهما من الصلب والألومنيوم.
ونتيجة للموقف الأمريكي رد الاتحاد الأوروبي بإجراءات انتقامية تطول بعض المنتجات الأمريكية بفرض رسوم جمركية عليها، ثم كان من المقرر مضاعفة هذه الرسوم في الأول من يونيو المقبل.
محادثات مطولة ونتيجة إيجابية
طلبت الولايات المتحدة من الاتحاد الأوروبي وقف زيادة التعريفات الجمركية على سلع أمريكية، بينما طالب الاتحاد في المقابل ببعض التنازلات من الولايات المتحدة. وجرت محادثات بين الجانبين لتجنب التصعيد في الخلاف حول التعريفات الجمركية على الصلب والألومنيوم الأوروبيين المصدرين للولايات المتحدة، مع محاولة التحالف عبر الأطلنطي في تعديل الثقل الموازن ضد الصين.
وفي هذا الشأن جرت مكالمة تليفونية بين وزيرة التجارة الأمريكية جينا رايموندو والمفوض التجاري الأوروبي فالدير دومبروفيسكس أوضحت فيها الوزيرة أن الولايات المتحدة ليست بعد في وضع يسمح لها بإزالة الرسوم الجمركية على المعادن الأوروبية، ولكنها أشارت إلى أن إدارة الرئيس بايدن تريد أن تجد طريقة لتجنب تزايد التصعيد، وفي نهاية المطاف التوصل لإزالة التوترات بين الطرفين.
وفي مقابلة تلفزيونية قالت وزيرة التجارة الأمريكية "إن الأوربيين غير سعداء"، وأضافت "كان لدي العديد من المناقشات مع نظرائي في الاتحاد الأوروبي. إنهم حلفاؤنا- أوروبا بالتأكيد ليست تهديدا للأمن القومي الأمريكي". وهو ما يشكل أول اعتراف أمريكي بعدم منطقية السبب الذي فرضت من أجله التعريفات الجمركية على أوروبا.
وذكرت بعض المصادر أن مكالمة رايموندو مع دومبروفيسكس تضمنت تشديده على أن الشركات الأوروبية قد عانت من الرسوم الجمركية الأمريكية، وأنه لن يكون محتملا إيقاف زيادة الرسوم الجمركية الأوروبية في يونيو بدون تنازلات من جانب الولايات المتحدة.
وذكر الاتحاد الأوروبي رسميا أن التكتل سوف يكون بإمكانه إيقاف الزيادة في التعريفات الجمركية فيما لو توصل الجانبان إلى اتفاقية يتم بمقتضاها اتخاذ قرار ثنائي ما، مثل التعليق المؤقت للرسوم حتى يتم التوصل إلى اتفاق نهائي، أي إجراء مماثل لوقف إطلاق النار القائم في الخلاف المنفصل بين جانبي الأطلنطي حول المعونات غير القانونية المقدمة لصانعي الطائرات؛ بوينج الأمريكية وإيرباص الأوروبية.
وبينما يتطلع الاتحاد الأوروبي إلى إنهاء هذا الخلاف وتجنب المزيد من التصعيد، فإن المسؤولين في بروكسل دأبوا على القول إنهم ينتظرون عرض الولايات المتحدة لرؤية ما إذا كان هذا العرض كافيا للحيلولة دون زيادة الرسوم.
بينما في المقابل كان المسؤولون الأمريكيون يرون أنه من غير المحتمل أن يكون لدى فريق بايدن وقت كاف لإجراء أي تنازل قبل يونيو وأن التوصل إلى حل لإزالة التعريفات كليا سيستغرق وقتا أطول.
ووجدت الولايات المتحدة في هذا الخلاف فرصة لتمتين التحالف الأوروبي الأمريكي في مواجهة الصين. ففي محادثات إدارة بايدن مع الشركاء الأوروبيين تم التشديد على أن المشكلة هي مشكلة مشتركة للجانبين، وأنهم بحاجة للعمل معا من أجل بحث جذر المشكلة، وهو الطاقة الإنتاجية العالمية الفائضة التي أوجدتها الصين.
وقالت وزيرة التجارة الأمريكية في مقابلة صحفية إن "فائض العرض الصيني وغمر سوقهم وسوقنا بالصلب الرخيص هو تهديد للأمن القومي، ونحن نريد أن نعمل مع أوروبا لمنع الصين من إحداث ذلك".
والواقع أن الخلاف قد اجتذب كافة المسؤولين الأمريكيين التجاريين الكبار للحديث حوله، ففي جلسة استماع أمام لجنة مخصصات الميزانية في مجلس الشيوخ الأمريكي قالت كاثرين تاي الممثل التجاري الأمريكي "إن الخلاف ليس خلافا بين طرفي الأطلنطي إنما هو خلاف يدور حول الطاقة الإنتاجية الصينية الفائضة وكيف يمكننا التعامل معها معا".
وأضافت "ما آمل فيه هو أن يرى الأوروبيون المشكلة، كتحد جدي لقدرتنا على الإنتاج والتنافس في صنع الصلب كما نرى نحن المشكلة، وأنه بالعمل معا سوف يكون بإمكاننا حل مشكلة هذه الرسوم الجمركية". وأضافت "سوف نعمل معا للتوصل إلى حلول أكثر فاعلية للمشكلات التي نعاني منها".
وباعتبارهم الأشد تضررا من التعريفات التي فرضها الاتحاد الأوروبي مارس منتجو الويسكي الأمريكيون لشهور ضغوطا لحل الخلاف وإزالة التعريفات الجمركية. وأكد المتحدث باسم المفوضية الأوربية على أن الاتحاد الأوروبي اقترح على الطرفين تعليق كافة التعريفات الجمركية، والإجراءات الانتقامية المقابلة لمدة ستة أشهر لإفساح المجال أمام تسوية عبر المفاوضات. وقال المتحدث "إنه في المكالمة الهاتفية بين وزيرة التجارة الأمريكية والمفوض التجاري الأوروبي، تم التوافق على العمل للتوصل لحلول ممكنة، بما في ذلك قضية الطاقة الإنتاجية الفائضة في صناعة الصلب.
وعند سؤالها هل تتوقع حركة فيما يتعلق بالرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم عند زيارة بايدن لأوروبا هذا الصيف، أجابت وزيرة التجارة الأمريكية: "أتوقع حدوث مناقشات جادة بين الوقت الحاضر ووقت انعقاد القمة".
ولو كان الأوروبيون قد اختاروا المضي قدما في زيادة الرسوم الجمركية في يونيو حتى مع بحث الولايات المتحدة عن حل طويل الأمد، فبعض المسؤولين يعتقدون أن هذا ربما كان سيرسل إشارة مزعجة للعالم قبيل اجتماع القمة الأمريكية/ الأوروبية المخطط له الانعقاد في بروكسل والذي سيحضره الرئيس بايدن خلال الشهر المقبل.
ومن ثم وافق الاتحاد الأوروبي على تجنب التصعيد في خلافه مع الولايات المتحدة حول التعريفات الجمركية على المعادن، موفرا على منتجات شهيرة مثل ويسكي البوربون والدراجات البخارية هارلي دايفيدسون وملابس الجينز من ماركة ليفي شتراوس مضاعفة الرسوم الجمركية الأوروبية عليها عند بداية الشهر المقبل.
وفي ظل الاتفاق الجديد مع إدارة بايدن، فإن الاتحاد الأوروبي لن يزيد من التعريفات الجمركية، بينما سينخرط الطرفان في حوار حول الطاقة الإنتاجية الفائضة في صناعة الصلب العالمية. وتهدف المباحثات إلى العمل على إزالة كافة التعريفات في نهاية المطاف.
وقال المفوض التجاري الأوروبي "هذا القرار يؤكد على عزمنا التوصل إلى حلول مشتركة فعالة لهذا الخلاف الذي سوف ينهي التعريفات الجمركية المفروضة على المنتجات الأوروبية بدعوى الأمن القومي، وللتعامل مع الطاقة الإنتاجية الفائضة في الصلب والألومنيوم، والحفاظ على صناعاتنا الحيوية". وأضاف "بتعليق إجراءاتنا، فنحن نخلق مساحة من أجل حل هذه القضايا قبل نهاية هذا العام".
وهكذا أتت الهدنة بعد أسابيع من المحادثات بين مسؤولين تجاريين رفيعي المستوى، ومع تطلع الطرفين لتجنب التصعيد واستمرار البناء على تحالفهم الاقتصادي. ومبكرا خلال هذا العام، كان الاتحاد الأوروبي قد اتفق مع الولايات المتحدة على تعليق الرسوم المفروضة لتسهيل خلاف عمره 17 عاما حول المعونات غير القانونية التي يحصل عليها كبار مصنعي الطائرات، بوينج الأمريكية وإير باص الأوروبية.
ويقول المسؤولون إن هذه بادرة حسن نية من قبل التكتل الأوروبي مع سعيه لإصلاح روابطه مع أهم شركائه على الإطلاق وتعديل الأرضية من أجل محادثات تهدف لتعليق الرسوم الجمركية قاطبة.
هكذا إذا تنازل الاتحاد الأوروبي عن فرض رسوم جمركية مضاعفة على بعض المنتجات الأمريكية، من أجل العمل على إنجاح القمة الأوروبية/ الأمريكية، ومن أجل تمتين التحالف الأوروبي/ الأمريكي في مواجهة الصين. كما أن الاتحاد الأوروبي يبدو أنه متأكد من تجاوب الولايات المتحدة مع خطوته خاصة مع اعتراف المسؤولين الأمريكيين بأن الاتحاد الأوروبي لا يشكل خطرا على الأمن القومي الأمريكي، وهو المسوغ الذي استخدمه ترامب لفرض التعريفات الجمركية على واردات الصلب والألومنيوم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة