تعاملت الحكومة الإسرائيلية مع المخطط الفلسطيني المعلن بإجراء الانتخابات الفلسطينية (التشريعية- الرئاسية- المجلس الوطني الفلسطيني).
على أنه حدث فلسطيني داخلي له تأثيراته الممتدة والمحتملة على الداخل الإسرائيلي من عدة زوايا.
الأولى: رفض إجراء الانتخابات في ظل الواقع الفلسطيني الراهن، تخوفا من صعود حركة حماس، واعتلائها السلطة في الضفة الغربية، وليس في قطاع غزة، وهو ما تم نقله إلى الرئيس محمود عباس مبكرا من التخوف من فشل حركة فتح، نتيجة لانقسام قوائمها وتفتت الصوت الفتحاوي، وهو ما حذّر من تفاصيله رئيس الشاباك نداف أرغمان في لقاء له مع الرئيس محمود عباس في رام الله، وبالتالي فإن الموقف الإسرائيلي العام كان يمضي في سياق عدم الاستمرار في خطوة إجراء الانتخابات في هذا التوقيت، وتأجيلها تخوفا من هزيمة كبيرة لحركة فتح، وتكرار سيناريو 2006، وبالتالي فإن التذرع بأن عدم موافقة إسرائيل على إجراء الانتخابات في القدس لم يكن صحيحا في ظل أفكار أوروبية تم طرحها قبل وإثناء الجولة الأوروبية لوزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي بإمكانية إجرائها عبر وسائل أخرى.
الثانية: أن إسرائيل لا تحكمها حكومة تصريف أعمال بل حكومة كاملة المهام والصلاحيات، وما زال ائتلافها قائما، ويمكن أن يستمر في حال توصل رئيس الوزراء نتنياهو لتشكيل الحكومة الجديدة في المدة المتبقية من التكليف الرئاسي، أو ذهب التكليف ليائير لبيبد، والمعنى أن هناك حكومة إسرائيلية قادرة على الحسم، وليس فقط القبول أو الرفض لفكرة إجراء الانتخابات في القدس، فالصحيح أن الحكومة الإسرائيلية تتخوف من وصول حركة حماس للسلطة، حيث لن تكون شريكا سياسيا أو استراتيجيا، ومن ثم فإنها ترفض التعامل مع الحركة التي لا تزال تراها حركة إرهابية، ما لم يتم نزع سلاحها، واعترافها بإسرائيل رسميا، وهو ما لن يحدث، ومن ثم فإن إسرائيل تنطلق في مواقفها من حقيقة مهمة، وهي استمرار السلطة كشريك رغم حالة المناكفات المستمرة، لكن في النهاية يقوم جهاز الأمن الداخلي "الشاباك" بالتنسيق مع أجهزة الأمن الفلسطينية، ويتبادل معها المعلومات منعا لوقوع أعمال إرهابية تمس الداخل الإسرائيلي، ومن ثم فإن إسرائيل لا تريد تغيير معادلة الردع السياسية والأمنية لا في القطاع ولا في الضفة الغربية، ما يؤكد أن الحكومة الإسرائيلية تستهدف بالأساس تكريس سياسة الأمر الواقع والحفاظ عليه، مع التأكيد على ثوابتها في التعامل مع شريك مسؤول بمقتضى اتفاقيات أوسلو واتفاقية باريس الاقتصادية، ومع حالة الهدنة الراهنة وتثبيت أمدها لأطول مدة معينة، وهو ما يفسر لماذا لم تقم الحكومة الإسرائيلية باستغلال مشهد إطلاق الصواريخ الفلسطينية لتبدأ حربا جديدة في قطاع غزة، حيث لا تريد تغيير الوضع الراهن المريح لها سياسيا وأمنيا.
الثالثة: في ظل التوقع الإسرائيلي بأن السلطة الفلسطينية ستواجه مأزقا حقيقيا في التعامل، وأن حالة من عدم الاستقرار ستعم أغلب المدن الفلسطينية في الفترة المقبلة، وهو ما قد يؤثر على أمنها فإنها ستعمل على مزيد من التنسيق مع السلطة، وستفتح البابا لمزيد من الحوار الأمني مع رام الله، كما يدور وراء الكواليس مع استثمار الأجواء الراهنة للعلاقات الفلسطينية الأمريكية، والتي تتطور نحو الأفضل بعد ضخ المساعدات للجانب الفلسطيني، والاتفاق على فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وإعادة فتح القنصلية الأمريكية في شرق القدس، وغيرها من الإجراءات الأمريكية المتوقعة، والتي فتحت الباب الموصود تجاه السلطة الفلسطينية، وبالتالي ليس صحيحا أن الإدارة الأمريكية فشلت في الضغط على الحكومة الإسرائيلية لإثنائها عن قرارها بعدم إجراء الانتخابات في القدس، خاصة أن إسرائيل أحاطت سفراء الدول الأوروبية لديها في تل أبيب بأن القرار في النهاية للرئيس محمود عباس، وليس لإسرائيل، وبصورة استهدفت إحراج الرئيس محمود عباس، والتأكيد على أنه صاحب القرار.
في كل الأحوال سيكون أمام الجانب الإسرائيلي في التعامل مع الموقف الفلسطيني الراهن والمحتمل عدة مسارات المسار الأول: التجاوب الحذر مع ما يجري فلسطينيا، واحتمالات تحول المشهد الراهن لحالة من الحراك الشعبي، الأمر الذي قد يدفع الحكومة الإسرائيلية للاستمرار في دعم بقاء الرئيس محمود عباس، وعدم إدخاله في دائرة فراغ، وفي ظل تنامي المعارضة من داخل الضفة الغربية على قراراته التالية مع رفض دعوته بتشكيل حكومة وحدة وطنية. المسار الثاني: قد تعمد الحكومة الإسرائيلية، ومن الآن إلى نقل رسالة للإدارة الأمريكية مسبقا بأنها لن تقبل باستئناف أية اتصالات مع الجانب الفلسطيني في حال دخول حركة حماس حكومة الوحدة الوطنية، باعتبارها متطلبا سياسيا ملحا للقفز على الوضع الراهن، وغلق الباب أمام أي توافق غير مباشر بتهيئة الأجواء للبدء في إجراءات بناء ثقة مع الجانب الفلسطيني، مع التمسك بسياسة تثبيت الهدنة الراهنة وحتى إشعار آخر، وعدم الدخول في صدامات جديدة مع حركة حماس.
ختاما يمكن التأكيد إذن على أن الحكومة الإسرائيلية، وليست السلطة الفلسطينية، هي من ستقرر مسارات العمل، والتعامل مع التطورات الفلسطينية هذا بافتراض أن السلطة الفلسطينية ستمضي في خياراتها المعلنة والاستمرار في تبني خطاب سياسي وإعلامي محدد، وهو ما ستراقبه جيدا الحكومة الإسرائيلية الراهنة، وستقيم نتائجه. ويبقي التأكيد دائما على أن حالة الزخم الفلسطينية، التي تسببت فيها حالة الاستعداد للانتخابات التشريعية لن تنتهي، بل ستتفاعل وستتطور في مواجهة السلطة، وعلى اعتبار أن كل الشرعيات الفلسطينية الراهنة منقوصة بالفعل، وتحتاج إلى تجديد أمام المجتمع الدولي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة