إن الله -تعالى- بعث الرسل والأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- برسالة جليلة عظيمة كريمة عنده -سبحانه-.
وحث الخلق على اتباع تلك الرسالة التي اجتمع عليها سائر الأنبياء والرسل، واتفقوا عليها؛ إثباتًا لِحَقِّ الله -سبحانه- على عباده وخلقه، فاتفقت رسالاتهم على الدعوة إلى الإيمان بالله -تعالى- وحده، وإفراده بالعبادة دون ما سواه، قال تعالى: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون).
قال أهل العلم: هذه الآية هي أحد الأصول الدالة على ما اتفق عليه الأنبياء والرسل-عليهم صلوات الله تعالى- من الإيمان بالله تعالى من الشرائع التي أنزلها. وذلك أن أصل الدين؛ هو الإيمان بالله عز وجل، وهو ما جاء على ألسنة الأنبياء جميعهم، وهو ما أكده الدين الحنيف بأن أمر الناس أن يدينوا لله تعالى بأن أولئك الأنبياء قد اتفقوا على هذه الرسالة العظيمة. ومن هاهنا يتبين لكل مؤمن فضل الدين الإسلامي الحنيف، ومنزلته، ومكانته، حيث جاء بالأمر للناس بأن يؤمنوا بأنَّ جميع الأنبياء والرسل قد جاؤوا برسالة واحدة اتفقت عليها مقالتهم ودعوتهم، وأنه ما من كمالٍ قد جاء به الأنبياء إلا وقد جاءت به شريعة الإسلام.
فدين الإسلام قد جاء آمرًا بالإيمان بالله تعالى، قال سبحانه: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله)، وجاء آمرًا بالتوحيد، قال سبحانه: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء)، وجاء آمرًا بالصلاة والزكاة، قال سبحانه: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة)، وجاء آمرًا برعاية الأمانة والعهد، قال سبحانه: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)، وجاء آمرًا بالوفاء بالعقود، قال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)، وجاء آمرًا بجماع الخير في معاملة الخلق والإحسان إليهم، قال سبحانه: (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)، وجاء آمرًا بلزوم الجماعة، قال سبحانه: (واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرَّقوا)، وجاء آمرًا بطاعة ولاة الأمر، قال سبحانه: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)؛ ولذا قال أهل العلم: ما من مصلحة دينية أو دنيوية دعت إليها الشرائع إلا دلَّ عليها الإسلام، وما من مفسدة نهت عنها الشرائع إلا نهى عنها الإسلام.
فهو دين الرحمة والخير والحكمة والعقل والفطرة والصلاح، يدعو إلى الفضائل وينهى عن الرذائل، يدعو إلى العدل وينهى عن الظلم، يدعو إلى الكرم وينهى عن البخل، يدعو إلى محاسن الأخلاق وينهى عن مساوئها، يدعو إلى العفة وينهى عن الفاحشة، يدعو إلى الصدق وينهى عن الكذب، يدعو إلى صلة الأرحام وينهى عن قطعها، يدعو إلى البر وينهى عن الفجور، يدعو إلى الإحسان وينهى عن العدوان، يدعو إلى حفظ الأنفس المعصومة وينهى عن إتلافها، يدعو إلى عمارة الأرض وإصلاحها وينهى عن الإفساد فيها، يدعو إلى الاجتماع وينهى عن الفرقة والاختلاف، يدعو إلى طاعة ولاة الأمر وينهى عن نزع اليد من الطاعة، فهو دين الفضائل كلها.
قال جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه-: (كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ. فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ).
قال العلامة السعدي -رحمه الله-: (فما اشتمل عليه هذا الدين من الرحمة وحسن المعاملة والدعوة إلى الإحسان، والنهي عن كل ما يُضادُّ ذلك؛ هو الذي صَيَّره نورًا وضياءً بين ظلمات الظلم والبغي وسوء المعاملة وانتهاك الحرمات، وهو الذي جذب قلوب من كانوا قبل معرفته ألدَّ أعدائه، حتى استظلوا بظله الظليل، وهو الذي عطف وحنا على أهله؛ حتى صارت الرحمة والعفو والإحسان يندفق من قلوبهم على أقوالهم وأعمالهم، وتخطَّاهم إلى أعدائه، حتى صاروا من أعظم أوليائه).
والذي يجب أن يُعلم هنا؛ أن هذه الفضائل كلها، إنما تزكو وتبقى وتزداد، بحسن الاعتقاد وصحته، والإيمان الصادق بالله -عز وجل-، والإقامة على أمره وتوحيده، والحذر من مخالفة أمره والشرك به، فالتوحيد ومتابعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- هما أصل الخير كله في أبواب العبادة وأبواب المعاملة. فالدين قد جاء بمصلحة الروح ومصلحة الجسد، لِيَدُلَّ على العقائد الصحيحة، والأعمال الصالحة، والأخلاق الكريمة. مع الانفتاح على العلوم والمعارف والتقدم العلمي، بما يكون راجعًا على بلاد الإسلام خاصة وبلاد العالم عامة بكل خير. فالحمد لله على نعمة هذا الدين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة