هذا العام أُضيف لعدد سكان الأرض ما يُقارب 83 مليون شخص، وهو مثل إضافة دولة جديدة بسكّانها بحجم ألمانيا،
هذا العام أُضيف لعدد سكان الأرض ما يُقارب 83 مليون شخص، وهو مثل إضافة دولة جديدة بسكّانها بحجم ألمانيا، وعندما احتاجت البشرية إلى 3000 سنة لكي تأوي مُدُنَها 3 مليارات من البشر فإنّ التقديرات تُشير إلى أنها ستضيف 3 مليارات أُخرى في الثلاثين سنة المقبلة فقط.
الأرض تمتلئ سريعاً وبطريقةٍ غير مسبوقة ومواردها الطبيعية تُستنزَف بطريقة مجنونة أيضاً، وإنْ بقيت معدلات استهلاك هذه الموارد بالمعدل الحالي ذاته فإنها ستنضب خلال 58 سنة، أمّا إن تم استهلاكها بالمعدل الأميركي نفسه فإنها ستنضب خلال عشرين سنة فقط رغم أنّ الأميركان لا يُمثلون إلا 4% من سكان الأرض.
المنظمات الدولية التي تحكم مسارات العالم أو تنظم علاقاته كالأمم المتحدة والبنك الدولي لم تفشل مع خبرائها في التنبؤ بالكوارث الاقتصادية فقط بل فشلت فشلاً ذريعاً في إدارة الكثير من الأزمات الحالية، والتي تذهب بالمستقبل إلى مناطق مقلقة ولها بعض السيناريوهات المرعبة كتغيّر المناخ واستنزاف الموارد المحدودة وازدياد الأثرياء ثراءً والفقراء فقراً والهجرة المنفلتة وانتشار ظاهرة الإرهاب بما فيها إرهاب الدول، الأمر الذي يوجب على الدول أن تتعامل بطريقة مغايرة مع التحديات المستقبلية حفاظاً على بقائها.
المؤلم فيما يخص استنزاف الموارد الطبيعية هي السموم التي يحقنها البشر في أوصال الأرض، ففوق أنّ ما يساوي 400 كيلومتر مربع يتم إزالتها من الغطاء الأخضر والغابات كل «دقيقة»، الأمر الذي يجعل صناعة الورق في أميركا مثلاً تُنتِج ما بإمكانه لف الكرة الأرضية عشرين مرة كل يوم من محارم الحمّامات بقطع قرابة 27.000 شجرة يومياً، فإنّ البشر مسؤولون عن كون 90% من الفضلات الملقاة في البحار والمحيطات من البلاستيك والذي يتسبّب بقتل أكثر من مليون كائن بحري سنوياً.
أمام مدن العالم الطامحة لديمومة النمو والتنمية مستقبلاً ونحن معهم أربعة تحديات رئيسية لابد من إيجاد سيناريوهات مرنة ومختلفة للتعامل معها، وعندما أذكر المرونة والاختلاف فذلك لأنّ المستقبل يمكن تخيّله ولا يمكن رؤيته تحديداً ما يُحتّم وجود بدائل عدة لمواجهة تحدياته ومتغيراته دون الوقوع في شَرَك الخطط الوحيدة التي تنتهي صلاحيتها فوراً عند دخول طارئ أو تغيّر عنصر أو أكثر من العناصر المؤثرة في مسار الأمور المستقبلية.
المنظمات الدولية التي تحكم مسارات العالم أو تنظم علاقاته كالأمم المتحدة والبنك الدولي فشلت فشلاً ذريعاً في إدارة الكثير من الأزمات الحالية، والتي تذهب بالمستقبل إلى مناطق مقلقة
أول هذه التحديات هو التحوّل السكاني Demographic Shift، فبحلول عام 2050 سيتراوح عدد سكان الأرض من 9.6 إلى 11.1 مليار نسمة، ما يقارب 66% منهم سيسكنون المدن والتي يفتقر كثير منها للموارد والبنية التحتية الكافية لاستيعاب هذه الأعداد الغفيرة والتي ستشكّل بدورها ضغطاً كبيراً فيما يخص توفير فرص عمل في قطاعات مُشبعة فعلاً بالعمالة أو ذات تحوّل تدريجي للأتمتة.
ثانياً البيئة المتغيرة Changing Environment والتي لا يكاد يخلو نقاش قمّة عالمي عن التحذير من التغيّر المتسارع للمناخ والزيادة الملحوظة في درجات الحرارة وزيادة نسبة ذوبان الثلوج في منطقة القطب الشمالي تحديداً، وتهديد تلك الظاهرة للمدن الساحلية والتي أصبحت فيها كثير من أراضي شمال بريطانيا واسكتلندا بسعر التراب لأنها ستُغمر بالماء قريباً، ما يجب معرفته أنّ التأثير بزيادة منسوب مياه المحيطات سيؤثر بالتدريج على كل المدن الساحلية في العالم.
ثالثاً ندرة الموارد Resources Scarcity، فعندما يصل عدد سكان الأرض إلى 8.3 مليارات بحلول عام 2030 سنحتاج إلى 50% أكثر من الطاقة المستهلكة حالياً و40% أكثر من المياه و35% أكثر من الطعام، وحيث إن الموارد تكاد لا تكفي لتلك الزيادات فإنّ من الضروري أن يتم خلق مُقاربات جديدة وأن تنتقل عقلية البشر من نمط Take-Make-Waste إلى نمط أكثر تعقلاً عند التعامل مع الموارد الناضبة من خلال التدوير Recycling وإعادة الاستخدام Reusing والتوسع في المزارع الحضرية العمودية والري المباشر للجذور والذي يوفر 90% من مياه الري التقليدي.
رابع التحديات هو أثر التقنية ونماذج الأعمال Technology and Business Model disruption. فاقتصاد هذه المدن مُطالب بتوفير فرص عمل لقاطنيها لكنّ التوسّع في الأتمتة والاعتماد على الذكاء الصناعي يشكل تهديداً كبيراً على تلك «الحقوق» الإنسانية الضرورية حتى يستطيع البشر العيش وليس استهلاك ما يُنتَج فقط لضمان دوران عجلة النمو الاقتصادي، فإدخال الروبوتات بدلاً من البشر في الولايات المتحدة مثلاً يُهدّد خلال العشر والعشرين سنة المقبلة 99% من وظائف مندوبي التسويق و94% من المحاسبين و89% من سائقي التاكسي و77% من السُقاة وجرسونات المطاعم و69% من خدم المنازل و40% من القُضاة وغيرها بنسب متفاوتة، كما ذكر ذلك باحثون بجامعة أكسفورد، ما يخلق مدناً ذات معدلات بطالة عالية وقطاعات شبابية كبيرة مستعدة للانفجار في أي لحظة.
الغريب والذي من المهم الانتباه له أنّه في دراسة قامت بها منظمة The National League of Cities على أكبر 50 مدينة عالمية وُجِد أنّ هناك تبايناً كبيراً بين ما تأخذنا له التقنية بشكل سريع للغاية، وبين ما تُخطّط له المدن كمسار مستقبلي، فعلى سبيل المثال فإنّ 6% فقط من تلك المدن تضع في حسبان خطط النقل لديها تأثير السيارات والمركبات ذاتية القيادة، و50% فقط منها تتحدث صراحة عن بناء وتمديد طرق سريعة جديدة، وعندما يتحدث المخطّطون عن طرح تقليدي لمكونات المدينة الجاري وضع استراتيجيات نموّها فإنّهم يغفلون عن لاعبين جُدد بدأوا بالدخول وسيكون لهم تأثير هائل للغاية على مسار الحياة بها، وأولها ما يُعرَف بالتعلم المعزّز Reinforcement Learning وهي نزعة متقدمة في الذكاء الصناعي AI تهدف لجعل الكمبيوترات «تفكّر» مثل البشر من دون تدخّل الإنسان، وهي بحوث متقدمة زمنياً تقوم بها شركات مثل Google, Uber, DeepMind, Mobileye وستكون جاهزة خلال سنتين على الأكثر من الآن.
المستقبل لن ينتظر أحداً لكي يستعد، كما أنه لن يحمل لنا دليل استعمال، من سيملكه هو من يملك المعرفة، ومن سيطوّعه هو من يعرف أنّ ما كان سبباً للنجاح في الماضي قد يكون سبب الفشل غداً، زمنٌ مختلف يحتاج فكراً مختلفاً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة