عندما نتكلم عن فكر الإخوان نرجو ألا يقتصر إدراكنا فقط على أصحاب البدل والياقات الحمراء أو أصحاب البشوت، بل يجب أن ننظر كذلك إلى نتاج هذا الفكر العفن الذي ولّدَ داعش والقاعدة والإرهابيين الذين حملوا السلاح في وجه أمتهم.
قديما قيل "من فمك أدينك"... واليوم نقول من أفعالهم وأفكارهم وأقوالهم ندين فكر الإخوان المسلمين!!
ندين هذا الفكر بتجرد علمي رغم محبتنا لإخوتنا وبني جلدتنا الذين دخلوا هذا النفق المظلم، سواء بإرادتهم أو بإرادة غيرهم، وسواء كان بوعي أو من غير وعي منهم، ولا شك أن كل ذي لبٍّ سيسعد بعودتهم إلى طريق الرشد والصواب.
وهنا أتمنى أن تتم قراءة هذا المقال في مناقشة هادئة بعيدة عن ردة فعل سلبية، وأتمنى أن تصل الرسالة إلى العقول والأفئدة قبل أن يبادر قارئ هذه السطور بردود أفعال متنوعة سواء كانت إيجابية أو سلبية.
فأنا هنا لست من منظري أي فكر، ولست ممن يحب الجدال والخصام، لكني أزعم أنني أحب ديني ووطني وشعبي وولاة أمري، وهي أمور جِبلّية تربينا عليها.
وقد يستغرب البعض من عنوان هذا المقال كيف "نأسلم" فكر الإخوان المسلمين وهم ممن يتسمون بمسمى له ارتباط رسمي بتوجه الجماعة التي اتخذت من اسمها منهج حياة وأسلوب إدارة (وفق ما يقولون)، وعزلت نفسها فكرا ونهجا وعملا ومشاعرا عن باقي مكونات المجتمع، ونقصد هنا كل المجتمعات التي عاشوا بها، سواء كانت مجتمعات إسلامية أو غير إسلامية.
وعندما نقصد بعبارة "أسلمة" الفكر الإخواني، فإنما نقصد إرجاع هذا الفكر إلى الجذور الأصلية التي تسمى بها أصحاب هذا الفكر، وهي جذور المنهج الإسلامي الواضح والذي لا لبس فيه ولا اعوجاج.
وحديثي هنا قد يكون في غالبه موجه إلى العامة من الناس وإلى شبابهم خاصة، وليس موجها لأرباب هذا الفكر ومنظريهم ولا لمروجي هذا الفكر والداعمين له واللاهثين خلف أسرابه على غير هدى.
عندما نتكلم عن فكر الإخوان نرجو ألا يقتصر إدراكنا فقط على أصحاب البدل والياقات الحمراء أو أصحاب البشوت، بل يجب أن ننظر كذلك إلى نتاج هذا الفكر العفن الذي ولّدَ داعش والقاعدة والإرهابيين الذين حملوا السلاح في وجه أمتهم.
وحيث إنه معلوم للمختصين بأن مستويات منتسبي هذا الفكر تتفاوت، فمنهم منظري هذا الفكر من شيوخه ورموزه، ومنهم من يحمل أسفار هذا الفكر وهو لا يعلم ما يحمل على ظهره (بمعنى "كمثل الحمار يحمل أسفارًا")، ومنهم منفذي سياسات سادة هذا الفكر وهم لا يعلمون ماذا يعملون ولماذا يعملون، ومنهم من تطورت حماسته وجهله إلى أن وصل مستويات متقدمة من الغلو في هذا الفكر فحمل السلاح وقتل من قتل من أبناء دينه وجلدته بحجة الدفاع عن شوكة الإسلام، ووصلت بهم حماقاتهم بأن تسموا بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان، كالقاعدة وداعش وأنصار كذا وكذا، وغيرها من الجماعات الإرهابية التي خرجت أساسا من رحم الجماعة الأم والتي تقوم بتوزيع الأدوار بين منتسبيها، وفق منهجية واضحة ومحددة، ومنهم من وصل إلى درجة الأستاذية والمشيخة والإفتاء، فأصبح يفتي بما يراه مناسبا وفق منظوره الضيق، وبما يخدم أهدافا سياسية تتوافق مع نهج هذا الفكر وتتعارض قولا وعملا مع تعاليم الدين الإسلامي والتوجيهات النبوية الكريمة، وكذلك معارضتها صراحة للسياسات العامة لدولهم وللأنظمة والقوانين المحلية والدولية، فأصبحت كل أعمالهم تجري في الظلام، وأصبحوا كأنهم حاطب ليل.
وعندما نتكلم عن فكر الإخوان المسلمين نرجو ألا يقتصر إدراكنا فقط على أصحاب البدل والياقات الحمراء أو أصحاب البشوت أو الذين يظهرون في وسائل الإعلام يتنمقون في لحن القول، بل يجب أن ننظر كذلك إلى نتاج هذا الفكر العفن الذي ولّدَ داعش والقاعدة والإرهابيين من هذه الجماعة التي رأت أن الدين الإسلامي في حالة خطر فهبوا لحمل السلاح في وجه أمتهم وأهلهم دفاعا عن شوكة الإسلام كما يزعمون.
وحيث إن حديثي كما ذكرت سوف يكون موجها إلى العامة من الناس، فإنه سوف يكون بلغة بسيطة دون تنطع في الكلمات أو تنغم في المعاني.
فنقول وبالله التوفيق..
إن الذي نقصد بأسلمة الفكر الإخواني هو إرجاع هذا الفكر إلى الماهية الحقيقية لهذا الدين، وهو الوسطية في الأمور قولا وعملا على عكس ما يفعله أصحاب هذا الفكر ومنظريه من "اختلاق" مفاهيم جديدة ومناهج فكرية مبتدعة بحجة إقامة شرع الله في أرض الله، والعجيب أنهم يتبنون هذه المصطلحات وهذا الفكر في بلاد إسلامية وفي مجتمعات إسلامية تربت على وسطية الدين الإسلامي وسماحته.
والأعجب أن أتباع هذا الفكر لهم شأنهم في مجتمعاتهم وأوطانهم، ووصل بعضهم إلى درجات علمية عالية ومناصب مرموقة إلا أنهم باعوا كل فكرهم وقيمهم ومبادئهم لمنهج رجل رحل عن دنيانا وبقيت أفكاره العفنة التي نشرها قبل ما يزيد عن 80 عاما متغلغلة في نفوس أتباعه، حتى دون التأكد عن مدى معارضتها لنصوص قرآنية وأحاديث نبوية شريفة واضحة وصريحة من سيد البشر ومعارضتها صراحة لمنهج السلم والسلام في آخر أديان السماء.
وسوف يكون طرح موضوع "أسلمة فكر الإخوان المسلمين" من عدة أوجه، على النحو التالي:
طاعة ولي الامر، العمل الجماعي، التنمية البشرية، احترام الرأي الآخر، استقلال الشخصية، ثم المواطنة والولاء.
وتوجد نقاط عديدة أخرى لا يتسع المجال هنا لذكرها كلها، واكتفينا هنا بسرد نقاط محدودة عنها.
وعندما نقول "أسلمة فكر الإخوان المسلمين" فإن من مقاصد ذلك هو مبدأ "طاعة ولي الأمر" التي يتبناها أصحاب هذا الفكر، ولكنهم شرّقوا وغرّبوا في تعريف ماهية "ولي الأمر" وذهبوا إلى تقسيمات إدارية هرمية في تصنيف ولي الأمر وهو زعيم الفرقة أو زعيم المجموعة، ونسوا أن الطاعة المقصودة لولي الأمر إنما تكون لولي أمر المسلمين الذي اجتمعت عليه الأمة، وليس ذلك الولي المختفي والقابع في سراديب الظلام، والذي لا يراه إلا القلة القليلة من أتباعه، وأصبح يدير أمور مريديه وأتباعه من خلال نظام استخباراتي معقد.
وعندما نقول "أسلمة فكر الإخوان المسلمين".. فان إحدى مرتكزات الفكر الإخواني هو مجال التنمية البشرية والذاتية، ونرى أن كثيرا من دعاة هذا الفكر ومنظريه يدّعون من خلال تنظيمهم الدورات التخصصية في التنمية البشرية والذاتية وروح العمل الجماعي وفرق العمل بأن هذه الأمور من الركائز الأساسية في الإسلام، ثم هم يخالفون ذلك عمليا، بمعنى أنهم يدّعون أن تكون للإنسان شخصيته المستقلة وأن يكون متبوعا لا تابعا، وأن يكون قائدا غير مُقادٍ، ثم هم يخالفون ذلك عمليا من خلال توجيهاتهم الصريحة لأتباع هذا الفكر بالالتزام التام بتعليمات مرشدهم دون نقاش أو جدال، والتنفيذ الفوري والأعمى للتعليمات الصادرة إليهم من ذلك المخبأ السري لمرشدهم، وعلى الرغم من جدليتهم الدائمة في أمور الدين الواضحة والتي لا لبس فيها، فتراهم يفتون على غير علم أو غير فقه كاف في الدين، وحجتهم في ذلك هي عبارتهم المشهورة "هم رجال ونحن رجال".
وعندما نقول "أسلمة فكر الإخوان المسلمين".. فإن من ضمن ما يدعون في مرتكزاتهم هو العطاء للوطن والولاء له.
ونرى بشكل واضح وجليّ مخالفاتهم بين الأقوال والأعمال، فان ما يدعون إليه من العطاء للوطن دون حدود أو شروط، وخدمة الوطن في كل مجالات الحياة، وضرورة أن يكون الإنسان إيجابيا ومؤثرا في مجتمعه، لكن في المقابل يأتي أحد أشهر منظريهم ممن كان له وجود إعلامي بارز وكان يدير قناة تلفزيونية، ويدَّعي "أن حب الأوطان والولاء لها من أمور الجاهلية الأولى، وأن الوظائف الحكومية وخدمة الناس والمجتمع إنما هي عبودية وإذلال".
كما أننا رأينا جميعا كذلك تطاولهم غير المؤدب على ولاة الأمر والحكام، وزعزعة هيبتهم أمام شعوبهم، متناسين آيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة في طاعة ولي الأمر، وتبنوا فكر آحاد الناس في التطاول على ولي الأمر الشرعي.
وفي هذا الشأن فإننا نريد أن نوضح الفرق بين 3 أمور هي: حب الوطن، الانتماء للوطن، ثم الولاء للوطن.
فحب الوطن: شيء فطري وجبلٌي يتحكم فيه القلب ولا يملك العقل فيه قراراً، كأن تتحرك مشاعر المرء وأحاسيسه بمجرد أن يرى علم بلده أو استماعه للسلام الوطني، أو زعيم بلده أو إنجازا لبلده، وهذا بلا شك شأن كل البشر والأجناس في مشارق الأرض ومغاربها، ويكفي ما نشاهده من المشاهير العالمية حتى يتم عزف السلام الوطني لدولهم كيف أن عيونهم تذرف الدموع، وأقرب مثال تلك الدموع الصادقة من أفضل لاعبي العالم عندما تذرف دموعهم بفوز بلدهم بأي بطولة في أي محفل، ولكن العجب كل العجب من تلك القلوب المتحجرة من أصحاب الفكر المنحرف عندما لا يتحرك لها جفن ولا تهتز لها مشاعر تجاه أوطانها وهم ممن أوصاهم دينهم بحب اوطانهم.
ثم الانتماء: وهذا يتحكم فيه العقل، وهو يترجم فيه إلى الشعور بالافتخار إلى الوطن، ويترجم إلى سلوك إيجابي، مثل الالتزام بقوانين الوطن وأنظمته، والحفاظ على مكتسباته، والسعي في رفع شأنه، والتضحية من أجله بالغالي والنفيس، وخير مثال على ذلك ما يقدمه أبناء الوطن من تضحيات بأرواحهم الطاهرة في سبيل الوطن طاعة لله ورسوله وولاة أمورهم، ونفخر بشهداء الإمارات الأبرار الذين ترجموا انتماءهم للوطن عمليا.
ثم الولاء: وهذا يحكمه الضمير من خلال صدق التعامل مع الوطن ومع ما يقدمه لأبنائه، وعدم تحميل الوطن ما لا يحتمل من ظلم وتجنّ، وفي هذا نذكر أصحاب هذا الفكر المنحرف بالآية القرآنية {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألّا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}، فالإنصاف مع الوطن وللوطن مطلوب.
وحقيقة نعجب كل العجب عندنا ندقق في سلوك أصحاب هذا الفكر فإننا نرى انعدام النقاط الثلاث السابقة التي ذكرت (حب الوطن، والانتماء له، والولاء له)، حيث تم تحويل وتسخير مشاعرهم وأحاسيسهم وعقولهم إلى قادة الفكر، وهم بهذا يخالفون أصلا أساسيا من سلوك المسلم وهو الصدق والوفاء، مما يعزز قولنا بضرورة "أسلمة فكر الإخوان المسلمين".
وعندما نقول " أسلمة فكر الإخوان المسلمين " فإن من ذلك ما يدَّعيه منظرو هذا الفكر من تبني مفهوم "احترام الرأي الآخر"، ثم هم يخالفون ذلك صراحة، سواء في أقوالهم أو أفعالهم، فينظرون إلى من يخالفهم الرأي بأنه محارب للإسلام وبأنه عدوٌّ لله ورسوله من خلال عدم موافقته طرح منهج الإخوان المسلمين، فنتج عن ذلك بأنهم حملوا السلاح ضد من خالفهم الرأي، سواء كان المخالف من الحكام أو الشعوب، وسواء كان المخالف مسلما أو غير مسلم، بل وصل ببعضهم الأمر بالتخلص ممن كان على منهجهم ثم خالفهم المنهج والرأي.
ومن أعجب ما سمعنا في هذا الزمن مما يدَّعيه أحد أشهر منظري هذا الفكر من أن للإنسان حريته المطلقة في التعبير والاعتراض على ما يشاء من أقوال واحكام، حتى وصلت جرأته بأنه قال مقولته الباطلة: "إنه يجوز لنا الاعتراض حتى على الله عز وجل ".. انتهى هرجه، وهنا نقول حاشاه ربنا وتعالى ونرد عليه {قل إن صلاتي ونُسُكِي ومَحْيَاي ومَمَاتِي لله رب العالمين وبذلك أُمرتُ وأنا أول المسلمين}.
ونقول لهذا المتطاول على الذات الإلهية وغيره من أصحاب هذا الفكر العفن، أين أنت وأمثالك من اعتراضك على أقوال وأوراد وتعليمات مؤسس هذا الفكر الذي تتبعه والذي رحل عن دنيانا وهو لم يتحاوز بعدُ الخمسين عاما من عمره، ثم أنتم تتبعون كلامه دون أي اعتراض منذ 80 عاما على غير هدى أو جدال، تبّاً لكم كيف تحكمون؟
وعندما نقول "أسلمة فكر الإخوان المسلمين" فإن من ذلك ما يدَّعيه منظرو هذا الفكر ومنتسبوه من حبهم للناس وللإنسانية وللجنس البشري عموما، ثم هم يخالفون ذلك صراحة بأسلوبهم العنجهي في التعبير عن هذا الحب، بحجة إنكار المنكر، وقد أساءوا في ذلك حيث إن أغلب ممن يدعي تبني منهج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لم يكلّف نفسه حتى عناء إكمال باقي الحديث وفهمه الفهم الصحيح الذي ورد على لسان سيد البشر وشرحه العلماء الربانيون.
ومن صور عدم إظهار حبهم للناس والمجتمع ما نراه من تجهّم وجوه بعض دُعاتهم ومنظريهم في وجوه العامة وبذاءة السنتهم وقبح أقوالهم فيمن خالفهم بحجة إنكار المنكر، وكأنهم وكلاء عن هذا الدين، وكأنهم أغير على دين الله من الله.
وهنا لست في إنكار منهج إنكار المنكر، لكننا نقول إن منهج إنكار المنكر له أصوله الفقهية والقواعد الشرعية، ونقول كذلك بأن الحديث الشريف يشتمل شقين "الأمر بالمعروف" و"النهي عن المنكر".
واختصارا نقول فان الحديث في "أسلمة فكر الاخوان المسلمين" يطول وفيه تفاصيل كثيرة وجدال لا ينتهي، لكننا هنا نقول لإخواننا ولأهلنا ممن تورطوا في اتباع هذا الفكر الظلامي، مراجعة النفس مطلوبة والتراجع عن الخطأ هو موقف الأبطال، وإن كلاًّ منا سيقف منفردا بين يدي ربه، فليعمل كل منا على إعداد جواب لكل سؤال، وصواب لكل جواب.
ونختم قولنا بأن هذا الدين قد اكتمل بوفاة سيد البشر صلى الله عليه وسلم وإن لا دين بعده ولا نبي بعده، وكلٌ يؤخذ من كلامه ويُرد إلا صاحب القبر صلى الله عليه وسلم، وإن العودة للحق هي فضيلة وهو خُلق الأقوياء والواثقين من أنفسهم، ولا يغرنكم قول قائلهم بأنكم بعتم الدين وخنتم العهد والميثاق، وإنكم خنتم القسم الذي اقسمتموه للمرشد أو غيره.
وهنا نقول، انتهت كلمات كاتب هذه السطور، ولم تنته همومه على بعض الشباب الذين ضيعوا أنفسهم وأضاعوا غيرهم وباعوا أنفسهم وعقولهم رخيصة لمن لا يرعى فيهم إلّاً ولا ذِمَّة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة