بعيداً عن محاولات التسوية للأزمة الخليجية مع قطر، يبدو أن هناك تخفيفا سياسيا وإعلاميا متعمدا، خاصة من الأطراف التي تراقب هذه الأزمة وعلى جميع المستويات.
وبخاصة أولئك الذين لديهم الرغبة في تسوية هذه الأزمة والتي تفصلنا عنها اليوم ثلاثة وأربعين شهرا منذ بدايتها في الخامس من الشهر السادس من العام 2017، وقد حدث الكثير من المحاولات لتسوية الأزمة، ومن وجهة نظري أن جُلّ هذه المحاولات تتحاشى القراءة المركزة لجوهر الأزمة وعمقها.
من المهم الإشارة إلى أن عمر الأزمة الخليجية قصير جداً ولا يمكن أن ينطوي هذا الزمن القصير على مخاطر يمكنها أن تهدد الأمن القومي في المنطقة، وفي الحسابات السياسية يمكن لهذه الأزمة أن تمتد لأطول من هذه الفترة، كما أن الحسابات الجغرافية بين دول الخليج وقطر سهلة الفهم، فقطر دولة خليجية ذات مساحة صغيرة وثروة هائلة تم توظيفها بشكل مثير للأسئلة خلال العقد الأخير من القرن الماضي، لدولة بتأثيرات سياسية وتاريخية هشة أو مفقودة، ولذلك بقيت قطر تحت الجناح الخليجي في علاقاتها منذ نشأتها السياسية الحديثة في منتصف القرن التاسع عشر.
الدول الخليجية خاصة السعودية الدولة الأكبر بين دول الخليج، تعاملت تاريخياً مع قطر وفق مفهوم التكامل والأخوة تجاه الأخ الأصغر في المنطقة، ولكن تحولات مفاجئة حدثت، فالوجه الوديع للإمارة القابعة في الجسد الجغرافي السعودي، تحول إلى شكل مختلف وانطلقت منها منصة إعلامية بدأت مشوارها في نبش علاقة الأخوة وتحويلها إلى صيغة تحريضية، وبسببها أصبح المناخ السياسي في المنطقة منطوياً على مخاطر وفرص بالنسبة للدول الخليجية التي ترددت كثيراً في سلوك الطريق المنطقي للتعامل مع الأزمة كون قطر دولة خليجية في المقام الأول.
في مرحلة نفاد الصبر تم اتخاذ إجراءات صارمة ومهمة لحماية الفضاء السياسي للمنطقة الخليجية، خاصة أن مشروعات فكرية وفلسفية واستراتيجية بدأت تجد لها موقعا مهما تنطلق منه ومن وسط العاصمة الدوحة، وكان التساؤل السياسي الدائم حول الهدف من تلك المنظومة مكرراً مع كل لقاء يجمع قادة الدول الخليجية مع قادة قطر ولكنه لا يجد إجابة واضحة ومقنعة، وكان المنعطف الأخطر في القضية يتمثل في استماتة الإعلام المنطلق عبر قناة الجزيرة نحو إنزال القضية إلى المستويات الشعبية في دول الخليج، وهذه فكرة شيطانية في الواقع هدفها الاستئثار بالمكاسب السياسية الصاعدة من الشعوب، بهدف أن تقوم هذه الشعوب بتحميل دولها سبب الأزمة.
في اعتقادي قد تكون هذه الفكرة قد حققت نجاحا ملحوظا في بداية الأزمة، ولكن عندما اضطرت دول الخليج وخاصة السعودية والإمارات والبحرين إلى كشف الأوراق للشعوب تغير الموقف، واتخذ الوعي الشعبي للدول الثلاث مسارا مختلفاً، وخاصة أن شعوب هذه الدول أدركت أن كل هذه الجلبة الإعلامية وتلك العلاقات السياسية التي صنعتها قطر سواء مع الغرب أو إيران أو تركيا كلها جزء من مسار استراتيجي سوف يهدد في النهاية منظومة تلك الدول، مهما قيل عن أنها تدخل في المسار السياسي وأنه لا يمكن أن تؤثر على المنطقة.
الوصول إلى قطر أكثر اعتدالاً يتطلب منها مراعاة المصالح الأمنية لجيرانها، كما أنها لا بد من أن تغير من سياساتها المتساهلة في دعم جماعة الإخوان والتنظيمات المتطرفة، وقد عمدت أمريكا صراحة في العام 2014 إلى الإشارة إلى قطر بأنها دولة متساهلة مع هذه الجماعات خاصة أن الدلائل المرئية تظهر حقيقة هذا الاتهام.
الأزمة الخليجية مهما كانت تعقيداتها هي قابلة للحل ودول الخليج ترحب بذلك، ولكن فهم هذه الأزمة من خلال تاريخ هذه المنطقة ومسارها الجغرافي والسياسي يثبت أن ورما سياسيا خبيثا حل في دولة خليجية غيرت من مفاهيم المنظومة الخليجية، وهذا ما دفع الدول الخليجية الثلاث في هذه الأزمة إلى تجنب التفاعل مع هذا الورم السياسي كونه لا يخدم المصالح المشتركة بين الدول الخليجية، ولكن في النهاية لا بد من فهم أن أسئلة مهمة لا بد وأن تطرح في مسار هذه الأزمة وفي طريق تسويتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة