على مقربة من اليوم العالمي لحقوق الإنسان، في العاشر من ديسمبر كانون أول، يتساءل المراقبون المهمومون والمحمومون بهذه القضية، عن مآلات الانتهاكات القطرية المستمرة والتجاهلات المستقرة، تجاه حقوق الإنسان على صعيدين..
الأول هو المباشر، من خلال تعاملات الدوحة مع المقيمين على أراضيها، لا سيما من العمال الأجانب، عطفا على بعض من قبائلها التي لا تحظى بأي رعاية إنسانية.
فيما الثاني، موصول برعايتها للإرهاب سواء في الإقليم، أو حول العالم، وليس أبشع من هذا خطر يختصم من أبسط وأدق حقوق البشر في العيش الآمن الهادئ، وبعيدا عن الترويع والخوف.
مع حلول الأيام الأخيرة من شهر نوفمبر تشرين الثاني المنصرم، ارتفع صوت منظمات حقوقية عديدة، منددة بالظلم والعسف الواقعين على العمال البؤساء الذين قادهم حظهم التعس للعمل في قطر في الأعوام الأخيرة، بعد توقف شركات قطرية عن دفع رواتبهم المنخفضة أصلا منذ تفشي جائحة كورونا، الأمر الذي جعل العمال معدمين، وفي حالة عوز، وغير قادرين على شراء الطعام، والعهدة هنا على صحيفة الغارديان البريطانية الشهيرة.
الامتهان القطري لحقوق العمال، يتمثل في فصل آلاف العمال دون سابق إنذار، أو منحهم أجورا منخفضة، أو إجازة غير مدفوعة الأجر، أو حرمانهم من الراتب المستحق ومدفوعات نهاية الخدمة، أو إجبارهم على دفع تكاليف رحلاتهم إلى أوطانهم.
والشاهد أنه وفي توقيت مواكب لتقرير الغارديان، كانت منظمة العفو الدولية تطالب قطر بشكل رسمي بتنفيذ ما وعدت به مرارا من إصلاح نظام العمالة المهترئ لديها، وأن تضع حدا لإفلات أصحاب العمل المسيئين من العقاب.
كتب " ستيف كوكبيرن "، رئيس برنامج العدالة الاقتصادية والاجتماعية في منظمة العفو الدولية قبل بضعة أيام يقول :" إن مساءلة مرتكبي الانتهاكات تكتسي أهمية فائقة في وضع حد لدوامة الاستغلال، وأنه يتوجب على قطر أن تبين لأرباب العمل الذين يمتهنون كرامة العمال وحقوقهم، أن ثمة عواقب تترتب على أفعالهم.
لكن الحكومة القطرية لها آذان لكنها لا تسمع، وعيون ومع ذلك لا تبصر.
الدوحة مشغولة في الوقت الحاضر بالإنفاق على القواعد العسكرية التي يقيمها الآغا العثمانلي على أراضيها، وابتزازه لها حتى آخر دولار من ريع الغاز القطري.
وبالقدر نفسه تجد قطر ذاتها أسيرة للاتفاقيات الإيرانية التي توقعها وهي في حالة إذعان كامل وشامل لطهران، ولا تجرؤ أن تفتح فمها تجاه التجبر والتكبر الإيراني المحيط بها.
الدوحة سليبة القرار السيادي، هذا أمر لا يغيب عن أعين أي باحث محقق ومدقق في شأنها، ولهذا ربما لا تجد متنفسا لها سوى الداخل القطري.
والثابت كذلك أن الانتهاكات القطرية لا تتوقف عند العمالة الأجنبية الوافدة، بل تمتد تجاه أبناء الشعب القطري، وأبناء بعض من القبائل في الدوحة، وربما الأكثر هو ما يتعرض له البعض من أبناء الأسرة الحاكمة، أولئك الرافضين للسياسات التي جعلت من اسم قطر ممجوجا بل ومكروها على الصعيد الدولي، والذين وجهوا انتقادات علنية للنظام الحاكم، لا سيما ما يتعلق بغياب المساواة، ومنح الأتراك وغيرهم الجنسية القطرية في الوقت الذي يقومون فيه بحرمان من ينتقدهم منهاحتى ولو كانوا قطريين.
ولعل التقارير التي صدرت عن مراكز حقوقية عربية، مثل مؤسسة "ماعت "، قد كشفت عن وجود انتهاكات فادحة وفاضحة لأبناء قبيلة الغفران القطرية، وقيام الدولة بطرد غالبيتهم خارج البلاد، ناهيك عن إدخال المئات منهم إلى غياهب السجون القطرية، عطفا على إصدار قرارات فوقية أميرية بحرمانهم من حقهم الطبيعي في التملك، أو ممارسة النشاط السياسي.
في منتصف شهر نوفمبر تشرين الثاني الماضي أعلنت وزارة الداخلية القطرية عن اعتقال عدد من المواطنين بعد أن زعمت أنهم متهمون "بإثارة النعرات القبلية بين أبناء المجتمع ".
لم تكن الوزارة صادقة في بياناتها كعهد العالم بها، ذلك أن الذين تعرضوا للاعتقال هم أولئك الذين رفعوا صوتهم رفضا لاستيلاء أشخاص من الأسرة الحاكمة على ممتلكاتهم وأراضيهم، إضافة إلى رفضهم لفكرة تجنيس الإيرانيين بعد الأتراك، وحرمان أهل البلد من جنسيتهم الأصلية.
ولعل الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان بشكل مباشر في الداخل القطري يحتاج إلى مؤلفات قائمة بذاتها، وعليه تتبقى الإشارة إلى انتهاكات قطر لحقوق الإنسان على الصعيد الدولي، ومن خلال دعمها وزخمها للإرهاب المعولم بشكل جهري وسري معا.
يوما تلو الآخر يتبين للقاصي والداني أن قطر ضالعة في مساندة الإرهاب أفرادا وجماعات.
خذ إليك أخر التقارير الصادر عن المؤسسات الأمريكية في هذا الشأن ومن بينها التقرير الذي أعده مركز MECRA المتخصص في الدراسات العسكرية والأمنية في واشنطن عبر الباحثين الأمريكيين " جوناثان سباير "، و " بنجامين وينثال "، وفيه أن قطر دعمت وعززت بقوة حكومة تنظيم الإخوان المسلمين التي لم تدم طويلا في مصر، كما تم الكشف مؤخرا عن عملية تمويل إرهابي نفذتها الدوحة، ففي يوليو الماضي قدمت قطر دعما ماليا وعسكريا ضخما لميليشيا "حزب الله اللبناني ".
التقرير عينه يأخذ في الاعتبار سجل قطر الفظيع في حقوق الإنسان، وإستغلال العمال الأجانب خلال التحضير لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2022، والفصل العنصري بين الجنسين على نطاق واسع، وجميعها مبررات لحرمان قطر من الأسلحة الأمريكية الحديثة لا سيما طائرات "اف-35".
تحاول قطر عبثا أن تلتف على العالم والمراقبين لشؤونها تجاه قضايا حقوق الإنسان، من خلال الاختباء وراء منصات حقوقية وخيرية وهمية تنشئها، والغرض والهدف هو التعمية والتغطية على سجلها الأسود في هذا الإطار.
بل أكثر من ذلك فإنها تستخدم تلك الجمعيات كأدوات لتنفيذ مشروعاتها الإرهابية في أفريقيا وعموم الشرق الأوسط، وعدد من الدول الأوربية، الأمر الذي تنبه له الفرنسيون بنوع خاص مؤخرا ومن أمثلة تلك الغطاءات تأتي جمعية قطر الخيرية التي تقوم بتمويل كل ما هو إرهابي متطرف مثل المسلحين وجبهة النصرة في سوريا، وجماعة شباب المجاهدين في الصومال، عطفا على تنظيم أنصار الشريعة في ليبيا، وتمويل حزب الله الشيعي في العراق.
ما الذي يتبقى قبل الانصراف ؟
أمران ينبغي التنبه لهما، الأول يتعلق بأموال التبرعات التي تغدقها قطر على المؤسسات العلمية والتعليمية الغربية، أمريكيا وأوروبيا، بجانب اختراقها لوسائل الإعلام في تلك الدول.
هنا يصبح قبول مثل هذه الأموال من قبيل الرشى السياسية والشراكة في جرائم قطر ضد حقوق الإنسان.
أما الأمر الثاني هو التماهي السياسي مع قطر، والذي يشجعها على المضي قدما في طريقها.
الخلاصة.. حان أوان محاسبة قطر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة