مفاتيح غيّرت العالم.. رحلة الآلة الكاتبة من شرارة الفكرة إلى ثورة المكتب

مر اختراع الآلة الكاتبة بالعديد من مراحل التطور عبر التاريخ، كانت بدايتها مع مطلع القرن التاسع عشر، وظهور أفكار مبكرة للآلة.
مع مرور السنوات، تطورت هذه الفكرة، لتصبح اختراعا أسهم في إثراء العمل المكتبي على مستوى العالم وعلى مدار عقود، وفي هذا التقرير نسرد كيف نشأت وتطورت فكرة اختراع أول آلة كاتبة.
البداية مع ويليام بيرت
كانت بداية ظهور فكرة الآلة الكاتبة في عام 1829، حين بزغت أولى إشارات الثورة في عالم الطباعة عندما سجّل المخترع الأمريكي ويليام أوستن بيرت William Austin Burt براءة اختراع لجهاز أسماه "التيبوغراف" (Typographer) .
كان هذا الابتكار أشبه بمحاولة بدائية لتسريع الكتابة اليدوية وتوحيد أنماط حروفها، وتكوّن الجهاز من ذراع ميكانيكية تحمل حرفًا واحدًا يُضغط به على الورق المثبّت بالحبر.
وعلى الرغم من بدائيته الشديدة وصعوبة استخدامه، فإن هذا الاختراع يُعد أول خطوة رسمية نحو تطوير ما سيُعرف لاحقًا بـ"الآلة الكاتبة".
ولم يحقق جهاز بيرت أي انتشار تجاري، ويرجح أن جهازه الأصلي قد فُقد أو دُمّر في حريق مكتب براءات الاختراع الأمريكي عام 1836، إلا أن فكرته أسّست لمفهوم ميكانيكي جديد في كتابة النصوص، مما جعله يُلقّب لاحقًا بـ"رائد الآلة الكاتبة".
نقطة التحول
بعد ما يقرب من 40 عاما، ظهر أول تطور حاسم في تاريخ الآلة الكاتبة، وذلك على يد الأمريكي كريستوفر لاثام شولز .
وكان شولز، محرر صحيفة من ولاية ويسكونسن، مهتمًا بتسريع عملية إعداد النصوص الصحفية، وفي عام 1867 ، بالتعاون مع المخترعين كارلوس غليدن (Carlos Glidden) و صمويل سول (Samuel Soule) ، صمم أول نموذج عملي يُطلق عليه آنذاك اسم "آلة الكتابة" (Type-Writer) .
وتميّز هذا الابتكار بأنه كان أول آلة تسمح بكتابة الأحرف على ورق متصل، باستخدام مفاتيح تشبه إلى حد بعيد الآلات الكاتبة الحديثة.
وقد دمج الفريق بقيادة شولز، نظامًا يطبع الحروف من خلال شريط حبر، ما أحدث نقلة نوعية مقارنة باختراع بيرت.
وفي 1 يوليو/تموز 1868، حصل شولز وفريقه على براءة اختراع رقم 79265، لتكون هذه اللحظة مفصلية في صناعة الطباعة الميكانيكية، ولكن التحدي الحقيقي كان في تحويل الاختراع إلى منتج تجاري، بحسب ما ذكر موقع wired.
من الفكرة إلى السوق
وأدرك شولز وزملاؤه أنهم بحاجة إلى شريك صناعي لتحويل نموذجهم إلى منتج فعلي، وفي عام 1873، باعت المجموعة حقوق اختراع الآلة لشركة تصنيع الأسلحة الشهيرة ريمينغتون E. Remington and Sons.
ورغم غرابة الأمر في البداية، فإن الشركة، بفضل خبرتها في تصنيع الأدوات الدقيقة، قبلت التحدي.
وفي عام 1874، أطلقت ريمينغتون أول آلة كاتبة تجارية تُعرف باسم "Remington No. 1”.
وتميزت هذه الآلة بتصميمها المعدني الأنيق ولوحة مفاتيح مكونة من حروف مرتبة ترتيبًا غريبًا حينها عُرف باسم QWERTY، وهو الترتيب الذي ما زال مستخدمًا في لوحات المفاتيح حتى اليوم. ورغم أن الآلة لم تكن تطبع الأحرف إلا عندما يُرفع الغطاء لقراءة النص، إلا أنها لاقت استحسانًا واسعًا، لا سيما في المكاتب والشركات الحكومية.
تطور الصناعة
وبفضل التصميم العملي والطلب المتزايد من الشركات، بدأت الآلة الكاتبة تشهد تطورات متلاحقة على يد شركات مثل Smith Premier و Underwood ، التي أطلقت في عام 1895 أول آلة تسمح بقراءة النص مباشرة أثناء الكتابة.
ومع دخول القرن العشرين، أصبحت الآلة الكاتبة جزءًا لا يتجزأ من الحياة المكتبية في العالم الغربي، وشكلت أداة ثورية غيّرت ملامح الوظائف المكتبية، وفتحت المجال أمام النساء للعمل كسكرتيرات وكاتبات، في وقت كانت فرص العمل فيه محدودة لهن.
تأثير كبير
من فكرة "التيبوغراف" التي طُرحت على استحياء في عام 1829، إلى الآلة الكاتبة التي أصبحت أداة لا غنى عنها بحلول مطلع القرن العشرين، خاضت هذه الأداة رحلة تطور طويلة، لم تخلُ من التجارب الفاشلة، لكنها أفضت في النهاية إلى واحدة من أعظم الاختراعات في التاريخ الحديث.
واليوم، وعلى الرغم من أن الحواسيب قد أطاحت بالآلة الكاتبة، إلا أن إرث بيرت وشولز ما زال حاضرًا، لا في تصميم لوحات المفاتيح فحسب، بل في روح السعي نحو تسريع الإنتاج الكتابي، وإتاحة المعرفة للجميع، بلمسة ميكانيكية غيّرت وجه العالم.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTI5IA== جزيرة ام اند امز