"المسيحي الأخير".. رواية فلسطينية تدافع عن الحق في الوجود
وقع روايته أمام كشك لعدم توفر إمكانيات مادية
الروائي الفلسطيني هاني السالمي يعد واحدا من الكتاب المبدعين الذين ليس لديهم عمل ثابت، وقرر أن يوقع روايته أمام "كشك".
وقع الروائي الفلسطيني هاني السالمي روايته الجديدة "المسيحي الأخير"، الأحد، على الرصيف أمام جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، في مدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة.
ولأنّه واحد من الكتاب المبدعين الذين ليس لديهم عمل ثابت، قرر أن يوقع روايته أمام "كشك" القهوة الذي يعمل فيه، لتوفير احتياجات أسرته.
ويقول الروائي هاني السالمي لـ"العين الإخبارية": "رواية (المسيحي الأخير) هي العمل الـ12 في مسيرتي الأدبية، وتحكي قصة شاب تخيلته على أنه المسيحي الأخير، وهذا الشاب (ميشيل) كان يحاول مراراً أن يخرج من غزة، أسوة بأغلب المسيحيين الذين خرجوا من القطاع بعد سيطرة حركة حماس عليه، لتقديرات لديهم أن حريتهم انتهت بوصول حماس للحكم، إذ إنها لن تحكم قطاع غزة مدنياً كما كان في زمن السلطة".
وتابع: "يتم الضغط على ميشيل كي يمتنع عن محاولات الهجرة، وأن يبقى حتى لا يفقد المسيحيون حقهم في الوجود بقطاع غزة".
وواصل: "الرواية تتناول الكثير من الأحداث التي عاشها سكان قطاع غزة في فترة الانقسام الداخلي، وتستحضر جوانب مهمة من تاريخ المسيحيين وتعايشهم السلمي بقرب المسلمين، وتسلط الضوء على أنهم في البداية والنهاية فلسطينيون".
ويستغل الكاتب روايته ليبرز العديد من الأوجاع التي يعيشها سكان قطاع غزة، إلى درجة التعايش مع الأزمات وكأنّها أمر طبيعي، فيقول في الصفحة 10 من الرواية: "نمتاز نحن في عزة بالتعايش مع القبح لنتجمل به، غزة قبيحة لكن نحن جميلون في وقت من الأوقات والعكس مقبول".
إلا أن الكاتب أراد أن يقول أيضاً من خلال حديثه لـ"العين الإخبارية" أن الرواية لا تقصد بالمطلق تعرض المسيحيين للاضطهاد على خلفية العقيدة والدين، ولكنهم استشعروا بخطر الحكم الديني لقطاع غزة، وأن حرياتهم أخذت تتراجع رغم وصول العديد من الرسائل المطمئنة من حكام قطاع غزة بعد أحداث 2007، إلا أنهم لم يرتاحوا رغم هذه الرسائل فالكثير منهم قرر ترك قطاع غزة، والرحيل إلى الضفة الغربية.
وأوضح: "هذا المسيحي الأخير (ميشيل) يتعرض لضغوط كبيرة من قبل أصدقاء مسلمين له، فأحدهم يخاطبه بلغة عاطفية مركزة فيقول له: الزغلول يا ميشيل صار حمامة بيضاء كبيرة، ترك ريشه الأصفر فوق بقايا كتاب الإنشاد وغادر بعيداً، لكن حين قررت أنت الرحيل صارت نوافذ الكنيسة تنوح، وسقفها بدأ ينهار، والكتب احتلها الغبار، والكراسي بدأت تقدم نفسها كمذاق الانتحار للنار، هاجم الغراب كل الأعشاش وهجر الحمام ولم يعد".
ولم يترك الروائي هاني السالمي محاولة للضغط على البطل ميشيل لكي يتخلى عن فكرة الرحيل، وأدخل الكاتب هنا تقنية مستحدثة في فن الرواية العربية، ونادراً ما يظهر الكاتب في رواية ليصرح عن نفسه ويحرك البطل دون أن يستتر خلف الحبر.
وفي رواية المسيحي الأخير كان الكاتب يقفز من نوافذ الورق ليصبح أمام القارئ وكأنّه المنقذ لميشيل وللمسيحية في قطاع غزة، وعليه احتاجت الرواية سنة كاملة لكي تنضج وترى النور.
وقال الأستاذ الدكتور محمد صلاح أبوحميدة، عميد كلية الآداب السابق في جامعة الأزهر لـ"العين الإخبارية": "رواية هاني السالمي حملت تقنيات جديدة، ولأول مرة يستخدم كاتب رواية فلسطيني هذه التقنيات، كأن يكون جزء من الرواية، يحدد حركة البطل والشخصيات بتدخل مباشر".
وأضاف: "كما توفرت في الرواية لغة متداخلة بين التقليدي المعروف عن الرواية العربية، والأسلوب الحداثي في كتابة الرواية الغربية، وكلاهما خدم الروائي ولم يخدم الأحداث، ولا حتى البطل نفسه، وما زال هذا الأسلوب الروائي الخليط محل دراسات ونقد مستفيض، ولكن من حيث المبدأ تجربة الروائي هاني السالمي تبشر بالخير، وسيكون لها دور في الانفتاح الأدبي على الرواية الغربية".
ويلحظ في "المسيحي الأخير" لهاني السالمي، الرمزية العالية، والأنين الواضح، والصراخ المكتوم، والحرية المقيدة بمخاوف الإنسان نفسه، والطريق إلى الخلاص في منطقة رمادية.
فإرهاصات الكاتب مع أشخاص الرواية غير مستقرة على فكرة، فهو لا يرفض الهجرة ولكنه لا يرغب بها، ويحاربها مع بطل روايته ميشيل، لدرجة أنه استعد أن يقتل البطل ولا أن يترك خيار الرحيل من قطاع غزة، وهذا الفعل الصادم للكاتب نابع من أن سكان قطاع غزة متمسكون بأرضهم، ومتعايشون مع أوضاعهم رغم كل الأزمات، وبعضهم يفضل الموت في غزة، حتى البطل يعاتب الكاتب قائلاً له: "أنت الكَاتب وأنا بطل روايتك وأنت الذي جئت بي إلى هذا العالم، رغم أنك تعلم أني مسيحي يوشك على الرحيل من غزة".
أما القدس في الرواية، فكانت مكاناً مقدساً تمسك به البطل، فيقول في الرواية: "أصدقائي اشتروا من شوارع القدس التماثيل الخشبية على أشكال الجِمال، أنا وحدي الذي سرقت قطعةً خشبيةً خضراء من أحد أبواب القدس، رائحتها لم تغادر أنفي طوال حياتي، وحين عدتُ إلى البيت، أعطيتُ قطعة الخشب لأبي، أخذها وأخفاها بين دفاتره المقدسة".
الروائي السالمي لم يبخل بطرح أسئلة الوجود من خلال شخصيات الرواية، ففتح مقبرة الإنجليز في قطاع غزة، والتي تحولت منذ زمن بعيد إلى متنزه يحرم فيها الدفن، ليجهز بالحيلة قبراً لميشيل، المسيحي الأخير، ويطلق النار عليه ببندقية قديمة من زمن الحرب العالمية الثانية، ويدفنه حارس المقبرة، في إشارة إلى أن خروجه من قطاع غزة سيعني خروج آخر مسيحي من الأرض، لذلك فضل بقاءه فيها".
ويقول "السالمي": "قررت دفن البطل ميشيل، لتبقى المسيحية من أصل تراب قطاع غزة، ولأنني ككاتب أهديته حبيبتي ليبقى ورفض، فاضطرني إلى أن أبقيه ولو تراباً في غزة، روايتي تتكلم عن كل فلسطيني يعشق وطنه".
رواية المسيحي الأخير صادرة عن الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين، في 100 صفحة من القطع المتوسط أصفر الورق، وبغلاف للعذراء مريم وهي تحمل الفلسطيني الجريح والملثم بالكوفية بين يديها، دلالة على أن الخلاص من الاحتلال بالصمود فوق تراب الوطن أو تحته.