"الدرب الضيق لمجاهل الشمال".. سيرة المجازر الصامتة
في أجواء الحرب إذ يتلاشى الشعور بأي أهمية مزعومة أمام الموت تدور أحداث رواية "الدرب الضيق لمجاهل الشمال" للأسترالي ريتشارد فالاناغان
في أجواء الحرب حيث يتلاشى الشعور بأهمية أي شيء وكل شيء أمام شبح الموت، تدور أحداث رواية "الدرب الضيق لمجاهل الشمال" للكاتب الأسترالي ريتشارد فالاناغان، والتي يتناول فيها المشاركة العسكرية الأسترالية أثناء الحرب العالمية الثانية، في مناطق مثل سوريا ولبنان وفلسطين، وأخرى في الشرق الأقصى الآسيوي في سنغافورة واليابان.
في الترجمة العربية للرواية التي صدرت أخيرا عن منشورات دار الجمل، بتوقيع خالد الجبيلي، يطوف الكاتب في عوالم غريبة وغرائبية بذات الوقت، إذ تبدأ الرواية تاريخياً في 15 فبراير من العام 1943، بطلها هو دوريغو إيفانز، الطبيب الجراح الذي ترمي به الأقدار شاهداً على المجزرة الصامتة التي كانت تُنَفَّذُ على طول 414 كيلومترا، لتمتد جغرافياً من شمالي بانكوك حتى بورما أو ما يعرف اليوم بميانمار.
الروائي الأسترالي ريتشارد فلاناغان ليس مجهولًا في الساحة الأدبية؛ يعدّه النقّاد الأستراليون أفضل روائي أسترالي ضمن جيله، كما أنه معروف ضمن مشهد أدب الكومنولث. نالت روايته "كتاب جولد عن الأسماك" (2001) جائزة "كتّاب الكومنولث" التي تبدو بوصلةً بنسبة كبيرة لما يمكن أن تكون عليه "مان بوكر". يبدو هادئًا في حياته الروائية والواقعية في آن واحد. كان شديد التواضع في كلمته التي ألقاها بعد فوزه بالجائزة من دون أن يخلو كلامه من صرامة شديدة بشأن عملية الكتابة: "الروايات حياة أو لا شيء.. أن تكون كاتبًا يعني رحلة نحو التواضع، يعني أن تُهزَم من أمور أكبر حتى".
في روايته السادسة The Narrow Road to the Deep North التي اقتبس عنوانها من قصيدة للشاعر الياباني البارز "ماتسوو باشو"، يبدو فلاناغان كأنه يدرك خيوط الحياة بأسرها، هذه الرواية التي تعدّ تحيّة إلى والده، مستوحاة من تجربة هذا الأب كأسير خلال الحرب العالمية الثانية لدى الجيش الياباني، إنها قصة دوريغو إيفانز وحبه لإيمي، إيفانز الطبيب الجراح الذي يعتقل في مخيّم للعمل على خط السكك الحديدية بين تايلاند وبورما، المعروف بـ"سكة الموت"، يحاول مساعدة الرجال الذين يواجهون الجوع والموت والكوليرا والضرب هناك.
وخلال الحفلة التي أقيمت في لندن وتسلم فيها فلاناغان جائزة البوكر، وصف رئيس لجنة التحكيم أنطوني جرايلينج الرواية بـ"بالعمل العظيم حول اثنين من أهم مواضيع الأدب في العالم.. الحب والحرب"، مضيفًا أن "هذا هو الكتاب الذي ولد ريتشارد فلاناغان من أجل كتابته".
يكتب فلاناغان بانتظام في الصحافة الأسترالية والعالمية في مواضيع الأدب والسياسة والبيئة، إلى جانب حضوره الأدبي الكبير، ينشط في قضايا حماية البيئة؛ فهو عضو في مجلس إدارة معهد "فويسْلِسْ" المهتم بحماية الحيوانات، كما أُطلق اسمه على منعطف نهري "فلاناغان سوربرايز" في محميّة "فرانكلن ريفر".
يذكر أن الروايةThe Narrow Road to the Deep North فازت بجائزة المان البوكر العالمية 2014، ووصفتها لجنة تحكيم الجائزة بـ"قوية كطعنة في البطن".