كشفت دعوة الرئيس المصري المجتمع للحوار الوطني التي اطلقها أثناء إفطار الأسرة المصرية في رمضان المنقضي، عن عمق الانتهازية واللاأخلاقية في قيم جماعة الإخوان المسلمين، التي استغلت الدعوة للحوار للتسلل الى صفوف المعارضة والزج بأنفسهم كقوة سياسية مدنية، هروبا
فالجماعة (المدانة بالإرهاب) تعاني من انشقاق حاد في هيكلها التنظيمي، فهم وبعد فصل طويل من الاتهامات المتبادلة، تحولوا إلى ثلاث جبهات تنظيمية، تدعي كل منها أنها الممثلة الشرعية لجماعة الإخوان وحارسة أفكار المؤسس "حسن البنا"، الأولى: جبهة نائب المرشد والقائم بأعماله "إبراهيم منير" والمستقر في لندن، والثانية: جبهة أمين عام الجماعة السابق "محمود حسين" والمستقر في تركيا، والثالثة مجموعة المكتب العام وهم بقايا مجموع "محمد كمال" الذي كان يدير بمجموعته الجماعة في الفترة من 2013 وحتى قبيل مقتله في 2016، والمعبر عنها "محمد منتصر" المتحدث الرسمي الأسبق للجماعة.
هذا الانشقاق لم يجعل للإخوان موقف واحد واضح تجاه أي قضية، أكثرها أهمية هو موقفهم من دعوة الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" للحوار الوطني، ، فالمجموعة الأولى ( منير/لندن) فقد استخدمت تكتيك المراوغة، فلم تعلن موقفها بشكل مباشر بل عبر عنهم "يوسف ندا" القيادي التاريخي والمفوض الدولي باسمها سابقاً، وأعلن قبوله للحوار مع الدولة بعد رد المظالم، لجئت الجبهة لهذا تكتيك ليسهل التنصل من أي التزامات في حالة رفض الدولة المصرية الرسمية للحوار معهم، ولرفع حرج القيادة أمام أتباعها، بالادعاء أنه تصرف فردي من يوسف ندا.
الملاحظ أن تلك الجبهة رحبت بالحوار سريعا، مستهدفين اقتناص الفرصة قبل الجبهات الأخرى، لعل الدولة الرسمية تقبل بهم فيكون ذلك كإشارة لان تتوحد الجماعة خلف جبهة منير باعتباره يملك الحل السحري في حل أزمات الإخوان والضغوط الداخلية بسبب المحبوسين في قضايا الإرهاب، الأمر الثاني إظهار جبهة منير للغرب كفريق معارض سياسياً، وأنهم يقبلون بالحوار كخيار استراتيجي لهم، لهذا بدأ "ندا " رسالته بعنوان "رسالة ثانية مفتوحة لمن تردد في الرد على الرسالة الأولى"، في إشارة لعدم تلقيه ردا على رسالته الأولى في سبتمبر/أيلول 2021، التي قبل فيها الحوار دون أي شروط قائلا "إن الباب مفتوح للحوار مع رئاسة النظام المصري، ويفسده وضع شروط مسبقة" أما هذه المرة فوضع شرطا مراوغا يمكن أن يفهم بأكثر من شكل، حيث أضاف؛ "هل بدأنا المسيرة برد المظالم ووقف العدوان، وإنهاء معاناة المسجونين من النساء والرجال، ومعاناة أسرهم بتنفيذ ما نصت عليه المادة 241 من الدستور المصري الحالي التي تسمح بإصدار قانون للمصالحة وتعويض الضحايا" ولم يوضح المفوض السابق للتنظيم الدولي ما المقصود بـ " تعويض الضحايا" هل هم المصريين من رجال شرطة وجيش ومدنين، الذين قتلوا أو اصيبوا بسبب عمليات تنظيم الإخوان المسلح (حسم - لواء الثورة) أم يقصد عناصر الإخوان المسجونين أو الذين لقوا حتفهم أثناء المداهمات؟
أما الجبهة الثانية: (حسين/ استنبول) جعلت الموافقة على الحوار عبر مجموعة من النشطاء أما منتمين لجبهته أو مقربين منهم، نشروا بيانهم على موقع "change.org" وطالبوا بتوقيع الجماهير المصرية عليه، وهذا التكتيك يسمى بـ " حصان طروادة " أي الولوج إلى الحوار من داخل حركة نشطاء تتدعي المعارضة المدنية، فاذا انطلت الحيلة على النخب أو على الجماهير، ففي هذه الحالة ترفع مطالب الإخوان (جبهة حسين)، وفي حالة رفض الدولة لشروطهم، أو تجاهلها يمكن الادعاء أنهم ليسوا إخواناً.
يلاحظ على المجموعة أنها قبلت بالحوار بشروط تعجيزية مثل إعادة تقييم للأحكام القضائية التي صدرت منذ 24 يوليو 2013، وفي كل القضايا ذات الطبيعة السياسية التي صدرت فيها أحكام أو الجاري نظرها؛ والتعهد بإعادة محاكمة كل القضايا التي صدر فيها حكم من محكمة أمن الدولة طوارئ أو صدر فيها حكم عسكري ضد مدنيين، مع إقرارهم بشرعية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والنظام، كما يلاح أنهم تحدثوا كفصيل سياسي معارض لما أسموه سياسات التخوين والقمع للمعارضين ومنتقدي توجهات النظام السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لم يوقع على بيانهم سوى قرابة 500 شخص.
أما جبهة الثالثة "المكتب العام" فقد كانوا أكثر تشدداً، فقد أعلنوا رفضهم التام للحوار في بيان على صفحتهم على الفيس بوك وعلى التليجرام، انطلاقا من إيمانهم بأن ما حدث في مصر في 30 يونيه 2013 انقلاب وليست ثوة، ويدعون الجماهير إلى استمرار النهج الثوري المسلح، ويلاحظ أنه بيان جاء متأخر كثيرا، فقد ظهر بعد أن جاءت رسائل النظام برفض إدراج الجماعة ضمن المعنين بالحوار الوطني من الأساس، فهي جماعة عملت ضد مصالح الوطن واستهدفت مؤسساته بالإرهاب وبالدعاية المضادة وبالشائعات المغرضة .
اللافت للنظر، أن الإخوان في كل مناسبة يتحدث فيها الرئيس المصري للشعب، يفسرون بعض كلماته بشكل متعسف كدليل على اقتراب المصالحة بينهما، فعندما تحدث عن أنه ليس ضد فكر أحد، أشاعوا أنهم المعنين بهذا التلميح، ثم عندما ترحم على الرئيس المعزول "محمد مرسي" ظنوا أنها فرصتهم ووصل توهمهم إلى أبعد مدى فزعموا أن الرئيس السيسي هو من يلح عليهم بالمصالحة وأنهم هم من يرفضونها، وعندما تجاهلهم الرئيس ومؤسسات الدولة، اقتنصوا دعوته للحوار الوطني ليطرحوا أنفسهم مرة أخرى كأنهم معنيين بالدعوة.
الواقع يؤكد أن قادة جماعة الإخوان تدرك قبل غيرهم أن الأجواء ليست في صالحهم، فبعد أن تبين عدم قدرتهم على العودة مرة أخرى، وفشلهم في إثارة الغضب في الشارع المصري باستغلال الأزمات الاقتصادية الطاحنة والمتكررة في كل المناسبات، وفشلهم في الوصول لحل لمشاكلهم الداخلية، عدم الوصول إلى اتفاق عبر وسطاء لتخفيف الأحكام على المسجونين من اتباعهم، فتأكدوا أن الدولة المصرية في وضع مستقر سياسيا وأمنيا، وأنها وهي في أضعف حالاتها لم تقبل بالحوار أو المصالحة معهم، فما الدافع للقبول بالمصالحة مع فصيل منشق على ذاته ومعزول اجتماعيا وسياسياً ، ومعزول شعبياً.
من الواضح أنهم أرادو أن يشغلون الرأي العام بقضايا الحوار والمصالحة لعدة أسباب الأول : محاولة للهروب إلى الأمام، لشغل عناصرهم عن حقيقة هزيمتهم فكرياً وتنظيمياً، وحتي لا يفكر أحد في الاتهامات المتبادلة بين الجبهات المنقسمة على بعضها البعض، فالكثير من تلك الاتهامات أخلاقية ومالية وإدارية، قد تطول قيادات كبرى وشهيرة بالجماعة، الثاني: مغازلة الغرب ليظهروا أمامهم كقوة سياسية معارضة يمكن مناصرتها دون الخوف من رفض الرأي العام الأوروبي للإخوان باعتبارهم جماعة إرهابية مارست العنف، الثالث: قياس مدى قبول الشعب المصري (صفوة وجماهير) لعودة الإخوان للمشهد فاذا وجدوا ترحيب أو مناصرين يمكن تطوير خطابهم ليناسب كافة القوى السياسية، الرابع: الاستمرار في دعم المظلومية كفكرة مركزية يستخدمونها كباب خلفي للعودة للمجتمع المصري، أما السبب الأخير: فيتمثل في رغبتهم في تفتيت المعارضة واشغالهم بقضايا فرعية، ليفسدوا الحوار قبل أن يبدأ، فالإخوان أكثر المستفيدين من غياب المعارضة الحقيقية والجادة والتي يمكن أن تختلف مع السياسات ولا تختلف حول الوطن، حتى يظل مقعد المعارضة الفاعلة شاغراً ينتظر عودتهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة