يشهد العالم تحولات غير مسبوقة في المشهد الإعلامي، حيث لم يعد التأثير مقتصرًا على وسائل الإعلام التقليدية، بل انتقل إلى مساحة جديدة يقودها مؤثرو الإعلام الاجتماعي. هؤلاء المؤثرون،
الذين نشأوا في بيئة رقمية متسارعة، أصبحوا اليوم أداة رئيسية في تشكيل الرأي العام وتوجيه المجتمعات، سواء بشكل إيجابي أو سلبي. ومع تصاعد الحروب الإعلامية التي تستهدف العقول قبل الأوطان، أصبحت الحاجة ملحّة لإنشاء منظومات وطنية تحتضن هذا الجيل من المؤثرين وتوظف قوتهم الإعلامية لصالح الأمن والاستقرار.
خلال السنوات الأخيرة، شهدنا تحولًا جذريًا في كيفية استهلاك المحتوى الإعلامي، خاصة لدى الأجيال الشابة التي باتت تبحث عن المعلومات والترفيه عبر منافذ الألعاب الإلكترونية، برامج المسابقات، والتحديات الرقمية. لم يعد التلفزيون أو الصحافة المصدر الرئيسي للمعلومات، بل أصبح المؤثرون على منصات التواصل الاجتماعي، وتحديدًا في بيئات الألعاب الإلكترونية، هم القادرون على جذب الانتباه وصناعة المحتوى الأكثر انتشارًا. هذه الظاهرة ليست مجرد تغير في أنماط الترفيه، بل تعكس واقعًا جديدًا حيث أصبحت الألعاب الإلكترونية منصات إعلامية بحد ذاتها، تدمج بين الترفيه والتفاعل الاجتماعي، ما يجعلها بيئة خصبة لنقل الرسائل الإعلامية، سواء الإيجابية أو السلبية. وهنا يكمن التحدي الحقيقي: كيف يمكن الاستفادة من هذا التأثير بدلاً من تركه عرضة للاستخدام في حملات تضليل أو دعاية مضادة؟
في عالم اليوم، أصبحت الحروب الإعلامية أكثر تأثيرًا من الحروب العسكرية، حيث يتم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتوجيه الرأي العام، نشر المعلومات المضللة، وإحداث تغييرات اجتماعية وسياسية واسعة. غياب الاستراتيجيات الوطنية في هذا المجال يجعل المجتمعات أكثر عرضة للاختراق الإعلامي، حيث يتم استغلال المؤثرين الشباب لنشر أفكار أو أجندات تخدم أطرافًا خارجية. المؤثرون الرقميون ليسوا مجرد صناع محتوى، بل يمكن أن يتحولوا إلى أدوات في صراعات إعلامية خفية، يتم فيها استغلالهم لنشر أخبار مزيفة، تعزيز الاستقطاب المجتمعي، أو حتى التأثير على معنويات الشعوب خلال الأزمات. وهنا تبرز الحاجة إلى وجود أطر وطنية تدعم المؤثرين وتوجههم نحو محتوى يخدم المصالح العامة بدلاً من أن يكونوا وقودًا لحروب رقمية غير مرئية.
لمواجهة هذه التحديات، لا بد من إنشاء منظومات وطنية قادرة على احتضان الجيل الجديد من المؤثرين وتوجيههم نحو أدوار أكثر وعيًا ومسؤولية. هذه المنظومات يمكن أن تتضمن برامج تدريب وتأهيل ترفع وعي المؤثرين حول أخلاقيات الإعلام والمسؤولية الوطنية، وتزوّدهم بالمهارات اللازمة للتحقق من المعلومات والتعامل مع الأخبار المضللة. كما يجب تطوير منصات رقمية وطنية توفر محتوى منافسًا بجودة عالية، بحيث يصبح للمؤثرين فضاء إعلامي آمن ومستدام. تعزيز الشراكة بين الإعلام التقليدي والمؤثرين الرقميين هو أيضًا ضرورة لضمان تدفق المعلومات الصحيحة ومواجهة التضليل الإعلامي بحملات مضادة قائمة على الحقائق. إضافة إلى ذلك، يمكن الاستفادة من الألعاب الإلكترونية كأدوات إعلامية لنقل الرسائل الإيجابية، حيث يمكن استخدامها في التوعية والتثقيف بطريقة تتناسب مع طبيعة الجيل الجديد.
إن المؤثرين الرقميين هم سلاح ذو حدين، يمكن أن يكونوا قوة إيجابية تعزز الهوية الوطنية وتنشر الوعي، أو يتحولوا إلى أدوات يتم استغلالها في معارك إعلامية تهدد استقرار المجتمعات. المسؤولية هنا تقع على الدول، المؤسسات الإعلامية، والجمهور نفسه، في دعم المحتوى الهادف، وتعزيز ثقافة التفكير النقدي، وعدم ترك الفضاء الرقمي عرضة للاستغلال. في النهاية، مع تزايد الاعتماد على الألعاب الإلكترونية والتحديات الرقمية كمنافذ إعلامية جديدة، يبقى السؤال الأهم: هل نحن مستعدون لإدارة هذا التأثير وتوجيهه لصالح مجتمعاتنا، أم سنتركه ليكون ساحة أخرى تُخاض فيها الحروب الإعلامية ضدنا؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة