من الأمور الفظيعة هذه الأيام ولكنها ليست غريبة في عالم السياسة، أن شعوب منطقة الشرق الأوسط وتحديداً العرب راهنت على أن فوز ترامب بالرئاسة سيكون عامل إيجابي لوقف التهور والعجرفة الإسرائيلية بالمنطقة التي هددت بنشوب حرب إقليمية
خاصة بعد أن ساهم ترامب نفسه في تحقيق الهدنة بين إسرائيل وحركة حماس. لكن فوجئ الجميع بالكم الهائل من تصريحات الرئيس ترامب -في أقل من شهر على قسمه اليمين الدستورية- المرعبة لدرجة اعتبرت أنها من أخطر وأصعب التصريحات التي مرت على تاريخ القضية الفلسطينية حيث تحدث ترامب أمام وسائل الإعلام العالمية عن: تهجير مليوني فلسطيني من قطاع غزة إلى العديد من دول العالم، وفتح الباب أمام الاعتراف بسيطرة إسرائيل على الضفة الغربية.
ومع أن الشعوب العربية تدرك أن ترامب يفكر بالصفقات التجارية، إلا أنه لم تكن تلك الشعوب التي راهنت على فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ضد نائبة الرئيس جو بايدن كمالا هاريس تتوقع مثل هذه التصريحات أو بالأصح التهديدات التي لم تخطر بخيال أي روائي، ومع ذلك هو درس عملي جديد في عالم السياسة الدولية، بأن لا فرق بين رئيس وآخر في الإدارات الأمريكية في التعامل مع الملفات العربية وغيرها فكل مرشح لديه أجندته وملفاته الاستراتيجية لخدمة مواطنيه وناخبيه؛ وبالتالي على العرب التعامل مع أي قادم جديد سواءً في الولايات المتحدة أو غيرها من دول العالم وفق سيناريوهات مصلحية كي لا يتفاجأ أحد بتصريحات أو مواقف غريبة بعضها فضيعة لدرجة تجعل العرب يتحركون وفق سياسة ردة الفعل كما يحصل الآن.
البعض يرى في تصريحات ترامب بأنها قابلة للتراجع والتغيير وفق تحليلات نفسية لنظرية الجنون السياسي، والبعض يعتقد أن ترامب يفكر بمنطق التاجر الذي يبدأ من أعلى سعر ثم يفاوض لعقد صفقة سياسية، إلا أني لست متأكد تماماً إذا لم تكن هذه التصريحات هي "بالون اختبار" للشعوب العربية حيث تقوم هذه النظرية بإطلاق تصريحات لقياس مدى قبول الناس بفكرة سياسية جديدة ثم تبدأ عملية المناقشات وطرح الأفكار والآراء بهدف تفريغ "الشحنة العاطفية" للناس والتي ترفض تلك الفكرة إلى أن يتم قبول بالفكرة ولو جزئياً بأنها قابلة للتطبيق ثم يبدأ التنفيذ، حدث مثل هذا الأمر في الحرب ضد أفغانستان وثم مع الغزو الأمريكي للعراق.
السؤال المفروض طرحه الآن هو: كيف سيعمل العرب من أجل منع الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو من استغلال هذه التصريحات الأمريكية وتحويلها إلى خطة استراتيجية لتنفيذ المشروع؟
خطورة الموقف تحتاج من العرب أن يكونوا أكثر جدية وتركيزاً وعدم الاستهانة بتلك التصريحات وفق تحليل شخصية ترامب وأن ما يتفوه به يمكن أن يتراجع عنه وأنه يفتقد للكياسة السياسية؛ لأن هناك من سيستغل تلك التصريحات لصالحه. وفعلاً وجّه وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس بإعداد خطة لتنفيذ التهجير لسكان غزة.
كما أن فظاعة الأمر تتطلب من العرب أن يؤكدوا للعالم من أنه من الآن فصاعدا سيتبعون أساليباً مختلفة وأشد فعالية للدفاع عن استقرارهم ومكتسباتهم. وذلك وفق الطرق الدبلوماسية والقانون الدولي وبالتنسيق مع الحلفاء والأصدقاء في العالم.
وربما أفضل عمل قامت به الدبلوماسية العربية في الفترة الصعبة الأخيرة، هو الموقف الموحد في رفض تصريحات ترامب والذي دشنته المملكة العربية السعودية برفضها القاطع المساس بالحقوق الفلسطينية في الحصول على دولته وعاصمتها القدس، ثم التحركات الدبلوماسية على أعلى مستوى للتنسيق مع باقي دول العالم للوقوف ضد التنسيق الأمريكي-الإسرائيلي منها زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات إلى فرنسا يوم الخميس الماضي، ومن ثم زيارة ملك الأردن عبدالله الثاني وكذلك الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى واشنطن، ولكن لاكتمال هذه المقاربة السياسية ينبغي عقد قمة عربية طارئة لإصدار بيان مشترك يقول (لا) لتصريحات ترامب. فالقمة الدورية ستنعقد في العراق شهر مايو المقبل، أي بعد ثلاثة أشهر، والأمر من الخطورة والعجلة بما لا يتحمل الانتظار كل هذه المدة.
وإذا كانت الأولوية حالياً هي وقف تداعيات تصريحات ترامب العلنية كإجراء أولي، فعلى العرب إدراك أن السنوات الاربع القادمة (في حال أكمل ترامب مدته الرئاسية) ستكون بنفس هذه الوتيرة وهذه نوعية من التهديدات والتصريحات غير المحسوبة العواقب وبالتالي فالأمر يحتاج إلى تنظيم للعمل الدبلوماسي العربي والتنسيق المستمر مع الأصدقاء للتعامل مع هذه الإدارة الامريكية.
باختصار يجب أن تصل رسالة واضحة وقوية تقول للجميع في العالم بأن الدول العربية مصممة على الاحتفاظ باستقرارها، وعلى استعداد للتعامل مع أي مواقف أو تصريحات لا تعير اهتماماً لشعوب هذه المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة